(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢٥٩)
____________________________________
فماذا قال إبراهيم لمن فى هذه المرتبة من الحماقة وبماذا أفحمه فقيل قال (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ) حسبما تقتضيه مشيئته (فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) إن كنت قادرا على مثل مقدوراته تعالى لم يلتفت عليهالسلام إلى إبطال مقالة اللعين إيذانا بأن بطلانها من الجلاء والظهور بحيث لا يكاد يخفى على أحد وأن التصدى لإبطالها من قبيل السعى فى تحصيل الحاصل وأتى بمثال لا يجد اللعين فيه مجالا للتمويه والتلبيس (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) أى صار مبهوتا وقرىء على بناء الفاعل على أن الموصول مفعوله أى فغلب إبراهيم الكافر وأسكته وإيراد الكفر فى حيز الصلة للإشعار بعلة الحكم والتنصيص على كون المحاجة كفرا (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) تذييل مقرر لمضمون ما قبله أى لا يهدى الذين ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب المخلد بسبب إعراضهم عن قبول الهداية إلى مناهج الاستدلال أو إلى سبيل النجاة أو إلى طريق الجنة يوم القيامة (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) استشهاد على ما ذكر من ولايته تعالى للمؤمنين وتقرير له معطوف على الموصول السابق وإيثار أو الفارقة على الواو الجامعة للاحتراز عن توهم اتحاد المستشهد عليه من أول الأمر والكاف إما اسمية كما اختاره قوم جىء بها للتنبيه على تعدد الشواهد وعدم انحصارها فيما ذكر كما فى قولك الفعل الماضى مثل نصر وإما زائدة كما ارتضاه آخرون والمعنى أو لم تر إلى مثل الذى أو إلى الذى مر على قرية كيف هداه الله تعالى وأخرجه من ظلمة الاشتباه إلى نور العيان والشهود أى قد رأيت ذلك وشاهدته فإذن لا ريب فى أن الله ولى الذين آمنوا الخ. هذا وأما جعل الهمزة لمجرد التعجيب على أن يكون المعنى فى الأول ألم تنظر إلى الذى حاج الخ أى انظر إليه وتعجب من أمره وفى الثانى أو أرأيت مثل الذى مر الخ إيذانا بأن حاله وما جرى عليه فى الغرابة بحيث لا يرى له مثل كما استقر عليه رأى الجمهور فغير خليق بحزالة التنزيل وفخامة شأنه الجليل فتدبر والمار هو عزير بن شرخيا قاله قتادة والربيع وعكرمة وناجية بن كعب وسليمان بن يزيد والضحاك والسدى رضى الله عنهم وقيل هو أرميا بن حلقيا من سبط هرون عليهالسلام قاله وهب وعبيد الله بن عمير وقيل أرميا هو الخضر بعينه. قال مجاهد كان المار رجلا كافرا بالبعث وهو بعيد والقرية بيت المقدس قاله وهب وعكرمة والربيع وقيل هى دير هرقل على شط دجلة وقال الكلبى هى دير سابر آباد وقال السدى هى ديار سلماباد والأول هو الأظهر والأشهر روى أن بنى إسرائيل لما بالغوا فى تعاطى الشر والفساد وجاوزوا فى العتو والطغيان كل حد معتاد سلط الله تعالى عليهم بختنصر البابلى فسار إليهم فى ستمائة ألف راية حتى وطئ الشام وخرب بيت المقدس وجعل بنى إسرائيل أثلاثا ثلث منهم قتلهم وثلث منهم أقرهم بالشام وثلث منهم سباهم وكانوا مائة ألف