(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(٢٥٨)
____________________________________
مقابلة الاسم الجليل ولقصد المبالغة بتكرير الإسناد مع الإيماء إلى التباين بين الفريقين من كل وجه حتى من جهة التعبير أيضا (يُخْرِجُونَهُمْ) بالوساوس وغيرها من طرق الإضلال والإغواء (مِنَ النُّورِ) الفطرى الذى جبل عليه الناس كافة أو من نور البينات التى يشاهدونها من جهة النبىصلىاللهعليهوسلم بتنزيل تمكنهم من الاستضاءة بها منزلة نفسها (إِلَى الظُّلُماتِ) ظلمات الكفر والانهماك فى الغى وقيل نزلت فى قوم ارتدوا عن الإسلام والجملة تفسير لولاية الطاغوت أو خبر ثان كما مر وإسناد الإخراج من حيث السببية إلى الطاغوت لا يقدح فى استناده من حيث الخلق إلى قدرته سبحانه (أُولئِكَ) إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما فى حيز الصلة وما يتبعه من القبائح (أَصْحابُ النَّارِ) أى ملابسوها وملازموها بسبب ما لهم من الجرائم (هُمْ فِيها خالِدُونَ) ما كثون أبدا (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) استشهاد على ما ذكر من أن الكفرة أولياؤهم الطاغوت وتقرير له على طريقة قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) كما أن ما بعده استشهاد على ولايته تعالى للمؤمنين وتقرير لها وإنما بدىء بهذا لرعاية الاقتران بينه وبين مدلوله ولاستقلاله بأمر عجيب حقيق بأن يصدر به المقال وهو اجتراؤه على المحاجة فى الله عزوجل وما أتى بها فى أثنائها من العظيمة المنادية بكمال حماقته ولأن فيما بعده تعددا وتفصيلا يورث تقديمه انتشار النظم على أنه قد أشير فى تضاعيفه إلى هداية الله تعالى أيضا بواسطة إبراهيم عليهالسلام فإن ما يحكى عنه من الدعوة إلى الحق وإدحاض حجة الكافر من آثار ولايته تعالى وهمزة الاستفهام لإنكار النفى وتقرير المنفى أى ألم تنظر أو ألم ينته علمك إلى هذا الطاغوت المارد كيف تصدى لإضلال الناس وإخراجهم من النور إلى الظلمات أى قد تحققت الرؤية وتقررت بناء على أن أمره من الظهور بحيث لا يكاد يخفى على أحد ممن له حظ من الخطاب فظهر أن الكفرة أولياؤهم الطاغوت وفى التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليهالسلام تشريف له وإيذان بتأييده فى المحاجة (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) أى لأن آتاه إياه حيث أبطره ذلك وحمله على المحاجة أو حاجه لأجله وضعا للمحاجة التى هى أقبح وجوه الكفر موضع ما يجب عليه من الشكر كما يقال عاديتنى لأن أحسنت إليك أو وقت أن آتاه الله الملك وهو حجة على من منع إيتاء الله الملك للكافر (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) ظرف لحاج أو بدل من آتاه على الوجه الأخير (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) بفتح ياء ربى وقرىء بحذفها* روى أنه صلىاللهعليهوسلم لما كسر الأصنام سجنه ثم أخرجه فقال من ربك الذى تدعو إليه قال ربى الذى يحيى ويميت أى يخلق الحياة والموت فى الأجساد (قالَ) استتناف مبنى على السؤال كأنه قيل كيف حاجه فى هذه المقالة القوية الحقة فقيل قال (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) روى أنه دعا برجلين فقتل أحدهما وأطلق الآخر فقال ذلك (قالَ إِبْراهِيمُ) استئناف كما سلف كأنه قيل