(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ)(٨٤)
____________________________________
فى تعداد بعض آخر من قبائح أسلاف اليهود مما ينادى بعدم إيمان أخلافهم وكلمة إذ نصب بإضمار فعل خوطب به النبى صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون ليؤديهم التأمل فى أحوالهم إلى قطع الطمع عن إيمانهم أو اليهود الموجودون فى عهد النبوة توبيخا لهم بسوء صنيع أسلافهم أى اذكروا إذ أخذنا ميثاقهم (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) على إرادة القول أى وقلنا أو قائلين لا تعبدون الخ وهو إخبار فى معنى النهى كقوله تعالى (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) وكما تقول تذهب إلى فلان وتقول كيت وكيت وهو أبلغ من صريح النهى لما فيه من إيهام أن المنهى حقه أن يسارع إلى الانتهاء عما نهى عنه فكأنه انتهى عنه فيخبر به الناهى ويؤيده قراءة لا تعبدوا وعطف قولوا عليه وقيل تقديره أن لا تعبدوا الخ فحذف الناصب ورفع الفعل كما فى قوله [ألا أيهذا الزاجرى أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى] ويعضده قراءة أن لا تعبدوا فيكون بدلا من الميثاق أو معمولا له بحذف الجار وقيل إنه جواب قسم دل عليه المعنى كأنه قيل وحلفناهم لا تعبدون إلا الله وقرىء بالياء لأنهم غيب (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) متعلق بمضمر أى وتحسنون أو أحسنوا (وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) عطف على الوالدين ويتامى جمع يتيم كندامى جمع نديم وهو قليل ومسكين مفعيل من السكون كأن الفقر أسكنه من الحراك وأثخنه عن التقلب (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) أى قولا حسنا سماه حسنا مبالغة وقرىء كذلك وحسنا بضمتين وهى لغة أهل الحجاز وحسنى كبشرى والمراد به ما فيه تخلق وإرشاد (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) هما ما فرض عليهم فى شريعتهم (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) إن جعل ناصب الظرف خطابا للنبى صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين فهذا التفات إلى خطاب بنى إسرائيل جميعا بتغليب أخلافهم على أسلافهم لجريان ذكر كلهم حينئذ على نهج الغيبة فإن الخطابات السابقة لأسلافهم محكية داخلة فى حيز القول المقدر قبل لا تعبدون كأنهم استحضروا عند ذكر جناياتهم فنعيت هى عليهم وإن جعل خطابا لليهود المعاصرين لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فهذا تعميم للخطاب بتنزيل الأسلاف منزلة الأخلاف كما أنه تعميم للتولى بتنزيل الأخلاف منزلة الأسلاف للتشديد فى التوبيخ أى أعرضتم عن المضى على مقتضى الميثاق ورفضمتوه (إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ) وهم من الأسلاف من أقام اليهودية على وجهها قبل النسخ ومن الأخلاف من أسلم كعبد الله بن سلام وأضرابه (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) جملة تذييلية أى وأنتم قوم عادتكم الإعراض عن الطاعة ومراعاة حقوق الميثاق وأصل الإعراض الذهاب عن المواجهة والإقبال إلى جانب العرض (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) منصوب بفعل مضمر خوطب به اليهود قاطبة على ما ذكر من التغليب ونعى عليهم إخلالهم بمواجب الميثاق المأخوذ منهم فى حقوق العباد على طريقة النهى إثر بيان ما فعلوا بالميثاق المأخوذ منهم فى حقوق الله سبحانه وما يجرى مجراها على سبيل الأمر فإن المقصود الأصلى من النهى عن عبادة غير الله تعالى هو الأمر بتخصيص العبادة به تعالى أى واذكروا وقت أخذنا ميثاقكم