(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ)(٨٣)
____________________________________
بأنه أمر هين لا يتوقف على التوقيف وبلى حرف إيجاب مختص بجواب النفى خبرا واستفهاما (مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) فاحشة من السيئات أى كبيرة من الكبائر كدأب هؤلاء الكفرة والكسب استجلاب النفع وتعليقه بالسيئة على طريقة فبشرهم بعذاب أليم (وَأَحاطَتْ بِهِ) من جميع جوانبه بحيث لم يبق له جانب من قلبه ولسانه وجوارحه إلا وقد اشتملت واستولت عليه (خَطِيئَتُهُ) التى كسبها وصارت خاصة من خواصه كما تنبئ عنه الإضافة إليه وهذا إنما يتحقق فى الكافر ولذلك فسرها السلف بالكفر حسبما أخرجه ابن أبى حاتم عن ابن عباس وأبى هريرة رضى الله عنهم وابن جرير عن أبى وائل ومجاهد وقتادة وعطاء والربيع وقيل السيئة الكفر والخطيئة الكبيرة وقيل بالعكس وقيل الفرق بينهما أن الأولى قد تطلق على ما يقصد بالذات والثانية تغلب على ما يقصد بالعرض لأنها من الخطأ وقرىء خطيته وخطياته على القلب والإدغام فيهما وخطيئاته وخطاياه وفى ذلك إيذان بكثرة فنون كفرهم (فَأُولئِكَ) مبتدأ (أَصْحابُ النَّارِ) خبره والجملة خبر للمبتدأ والفاء لتضمنه معنى الشرط وإيراد اسم الإشارة المنبئ عن استحضار المشار إليه بماله من الأوصاف للإشعار بعليتها لصاحبية النار وما فيه من معنى البعد للتنبيه على بعد منزلتهم فى الكفر والخطايا وإنما أشير إليهم بعنوان الجمعية مراعاة لجانب المعنى فى كلمة من بعد مراعاة جانب اللفظ فى الضمائر الثلاثة لما أن ذلك هو المناسب لما أسند إليهم فى تينك الحالتين فإن كسب السيئة وأحاطت خطيئته به فى حالة الانفراد وصاحبية النار فى حالة الاجتماع أى أولئك الموصوفون بما ذكر من كسب السيئات وإحاطة خطاياهم بهم أصحاب النار أى ملازموها فى الآخرة حسب ملازمتهم فى الدنيا لما يستوجبها من الأسباب التى من جملتها ما هم عليه من تكذيب آيات الله تعالى وتحريف كلامه والافتراء عليه وغير ذلك وإنما لم يخص الجواب بحالهم بأن يقال مثلا بلى أنهم أصحاب النار الخ لما فى التعميم من التهويل وبيان حالهم بالبرهان والدليل مع ما مر من قصد الإشعار بالتعليل (هُمْ فِيها خالِدُونَ) دائما أبدا فأنى لهم التفصى عنها بعد سبعة أيام أو أربعين كما زعموا فلا حجة فى الآية الكريمة على خلود صاحب الكبيرة لما عرفت من اختصاصها بالكافر ولا حاجة إلى حمل الخلود على اللبث الطويل على أن فيه تهوين الخطب فى مقام التهويل (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) جرت السنة الإلهية على شفع الوعد بالوعيد مراعاة لما تقتضيه الحكمة فى إرشاد العباد من الترغيب تارة والترهيب أخرى والتبشير مرة والإنذار أخرى (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) شروع