أعرف اليوم في بني هاشم رجلا هو أرجح منك علما وحلما ، ولا أحضر منك فهما وحكما ، ولا أبعد منك عن كل سفه ودنس وطيش ، وليس من يتخلق بالخير تخلفا ، ويتنحل بالفضل تنحلا ، كمن جبله الله على الخير جبلا ، وقد عرفنا ذلك كله منك قديما وحديثا ، شاهدا وغائبا ، غير أني قد أحببت زيارتك والأخذ بالحظ من رؤيتك ، فإذا نظرت في كتابي هذا ، فاقبل إلي آمنا مطمئنا ، أرشدك الله أمرك ، وغفر لك ذنبك ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
فلما ورد الكتاب على محمد بن علي بن الحنفية ، وقرأه ، أقبل على ابنيه جعفر وعبد الله أبي هاشم ، فاستشارهما في ذلك ، فقال له ابنه عبد الله : يا أبتي! اتّق الله في نفسك ، ولا تصر إليه ، فإني خائف أن يلحقك بأخيك الحسين ، ولا يبالي. فقال له محمد : يا بني! ولكني لا أخاف منه ذلك. وقال له ابنه جعفر : يا أبتي! إنه قد اطمأنك وألطفك في كتابه إليك ، ولا أظنه يكتب إلى أحد من قريش بأن «أرشدك الله أمرك ، وغفر ذنبك» ، وأنا أرجو أن يكف الله شره عنك.
فقال محمد : يا بني إني توكلت على الله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه ، وكفى بالله وكيلا ، ثم تجهز محمد بن علي ، وخرج من المدينة ، وسار حتى قدم على يزيد بن معاوية بالشام ، فلما استأذن أذن له ، وقرّبه وأدناه ، وأجلسه معه على سريره ، ثم أقبل عليه بوجهه ، فقال : يا أبا القاسم! آجرنا الله وإياك في أبي عبد الله الحسين ، فو الله ، لئن كان نقصك فقد نقصني ، ولئن كان أوجعك فقد أوجعني ، ولو كنت أنا المتولي لحربه لما قتلته ، ولدفعت عنه القتل لو بجز أصابعي ، وذهاب بصري ، ولفديته بجميع ما ملكت يدي ، وإن كان قد ظلمني ، وقطع رحمي ،