ثم حمل عليهم كالليث المغضب ، فجعل لا يلحق أحدا إلّا بعجه بسيفه وألحقه بالحضيض ، والسهام تأخذه من كل ناحية ، وهو يتلقاها بنحره وصدره ، ويقول : «يا أمّة السوء! بئسما خلفتم محمدا صلىاللهعليهوآله في عترته ، أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد الله الصالحين ، فتهابوا قتله ، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي ، وايم الله ، إني لأرجو أن يكرمني ربي بهوانكم ، ثمّ ينتقم منكم من حيث لا تشعرون».
فصاح به الحصين بن مالك السكوني : يا ابن فاطمة! بما ذا ينتقم لك منّا؟ فقال : «يلقي بأسكم بينكم ، ويسفك دماءكم ، ثم يصبّ عليكم العذاب الأليم». ثم جعل يقاتل حتى أصابته اثنتان وسبعون جراحة ، فوقف يستريح وقد ضعف عن القتال ، فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته ، فسالت الدماء من جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح عن جبهته فأتاه سهم محدّد ، مسموم ، له ثلاث شعب ، فوقع في قلبه ، فقال الحسين عليهالسلام : «بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ـ ورفع رأسه الى السماء ـ ، وقال : إلهي! إنك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره».
ثم أخذ السهم وأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كالميزاب ، فوضع يده على الجرح ، فلما امتلأت دما رمى بها إلى السماء ، فما رجع من ذلك قطرة ، وما عرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين بدمه إلى السماء ، ثمّ وضع يده على الجرح ثانيا ، فلما امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته ، وقال : «هكذا ، والله ، أكون حتى ألقى جدي محمدا صلىاللهعليهوآله وأنا مخضوب بدمي ، وأقول : يا رسول الله! قتلني فلان وفلان».
ثم ضعف عن القتال فوقف مكانه ، فكلما أتاه رجل من الناس وانتهى إليه ، انصرف عنه ، وكره أن يلقى الله بدمه ، حتى جاءه رجل من كندة ، يقال