صدقت ، جعلت فداك ، أفلا نروح إلى ربنا فنلحق بإخواننا؟ فقال له الحسين : «رح إلى ما هو خير لك من الدّنيا وما فيها ، وإلى ملك لا يبلى» ، فقال : السلام عليك ، يا ابن رسول الله! وعلى أهل بيتك ، وجمع الله بيننا وبينك في الجنّة. فقال الحسين : «آمين! آمين!» ثمّ استقدم فقاتل قتالا شديدا ، فحملوا عليه فقتلوه.
ثمّ رماهم يزيد بن زياد أبو الشعثاء بمائة سهم ما أخطأ منها بخمسة أسهم ، وكان كلما رمى ، قال الحسين : «اللهمّ! سدّد رميته ، واجعل ثوابه الجنّة» ، فحملوا عليه فقتلوه.
وكان يأتي الحسين الرجل بعد الرّجل ، فيقول : السلام عليك ، يا ابن رسول الله! فيجيبه الحسين : «وعليك السلام ، ونحن خلفك ، ويقرأ : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ)» الاحزاب / ٢٣ ، ثمّ يحمل فيقتل حتى قتلوا عن آخرهم (رضوان الله عليهم) ، ولم يبق مع الحسين إلّا أهل بيته.
أقول : وهكذا يكون المؤمن : يؤثر دينه على دنياه ؛ وموته على حياته في سبيل الله ينصر الحقّ وإن قتل ، قال الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران / ١٦٩ ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : «كلّ قتيل في جنب الله شهيد» ، ولما وقف رسول الله صلىاللهعليهوآله على شهداء «احد» وفيهم حمزة بن عبد المطلب ، قال : «أنا شهيد على هؤلاء القوم ، زملوهم بدمائهم ، فإنهم يحشرون يوم القيامة وكلومهم رواء ، وأوداجهم تشخب دما ، فاللون لون الدم ، والريح ريح المسك ، فهم كما قيل :
كسته القنا حلة من دم |
|
فأضحت لرائيه من أرجوان |
جزته معانقة الدارعين |
|
معانقة القاصرات الحسان |