الدعي ، قد ركز بين اثنتين : بين القتلة والذلة ، وهيهات منا أخذ الدّنية ، أبى الله ذلك ورسوله ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وانوف حمية ، ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام ، على مصارع الكرام ، ألا إني قد أعذرت وأنذرت ، ألا إني زاحف بهذه الاسرة على قلّة العتاد ، وخذلة الأصحاب ، ثم أنشد :
فإن نهزم فهزّامون قدما |
|
وإن نهزم فغير مهزّمينا |
وما أن طبّنا جبن ولكن |
|
منايانا ودولة آخرينا |
أما إنه لا تلبثون بعدها إلّا كريث ما يركب الفرس ، حتى تدور بكم دور الرحى ، عهد عهده إليّ أبي ، عن جدي (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) (١) (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ ، إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ، ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
اللهمّ! احبس عنهم قطر السماء ، وابعث عليهم سنين كسني يوسف ، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة ، فلا يدع فيهم أحدا ، قتلة بقتلة ، وضربة بضربة ، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم ، فإنهم غرونا وكذبونا وخذلونا ، وأنت ربّنا ، عليك توكلنا ، وإليك أنبنا ، وإليك المصير».
ثم قال عليهالسلام : «أين عمر بن سعد؟ ادعوا لي عمر» ، فدعي له وكان كارها لا يحب أن يأتيه ، فقال : «يا عمر! أنت تقتلني ، وتزعم أن يوليك الدعي بن الدعي بلاد الري وجرجان؟ والله ، لا تتهنأ بذلك أبدا ، عهد معهود ، فاصنع ما أنت صانع ، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأني برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة ، يتراماه الصبيان ويتخذونه غرضا
__________________
(١) ـ اقتبس الآيات من سورتين ، الأولى : يونس / ٧١ ، والثانية : هود / ٥٥.