فأخبراه بما قال لهما ابن زياد ، وما قالا له ، ثمّ قالا له : أقسمنا عليك الا قمت معنا إليه الساعة لتسلّ سخيمة قلبه. فدعا ببغلته ، فركبها ، ومضى معهما ، حتّى اذا دنا من قصر الامارة خبثت نفسه ، فقال لهما : انّ قلبى قد أوجس من هذا الرجل خيفة قالا : ولم تحدّث نفسك بالخوف وأنت برىء الساحة فمضى معهما حتّى دخلوا على ابن زياد ، فأنشأ ابن زياد يقول متمثّلا :
أريد حياتى ويريد قتلى |
|
عذيرك من خليلك من مراد |
قال هانى : وما ذاك أيّها الامير؟ قال ابن زياد : وما يكون أعظم من مجيئك بمسلم بن عقيل ، وإدخالك إيّاه منزلك ، وجمعك له الرجال ليبايعوه؟ فقال هانى : ما فعلت وما أعرف من هذا شيئا فدعا ابن زياد بالشامى وقال : يا غلام ادع لى معقلا فدخل عليهم.
فقال ابن زياد لهانى بن عروة : أتعرف هذا؟ فلمّا رآه علم أنّه إنمّا كان عينا عليهم ، فقال هانى : أصدّقك والله أيّها الامير انّى والله ما دعوت مسلم بن عقيل ، وما شعرت به ، ثمّ قصّ عليه قصّته على وجهها ، ثمّ قال : فأمّا الآن فأنا مخرجه من دارى ، لينطلق حيث يشاء ، وأعطيك عهدا وثيقا أن أرجع إليك ، قال ابن زياد : لا والله لا تفارقنى حتّى تأتينى به ، فقال هانى : أو يجمل بى أن أسلّم ضيفى وجارى للقتل؟ والله لا أفعل ذلك أبدا.
فاعترضه ابن زياد بالخيزرانة فضرب وجهه وهشم أنفه وكسر حاجبه ، وأمر به فأدخل بيتا. وبلغ مذحجا أن ابن زياد قد قتل هانئا فاجتمعوا بباب القصر ، وصاحوا ، فقال ابن زياد لشريح القاضى ـ وكان عنده ـ ادخل الى صاحبهم ، فانظر إليه ثمّ اخرج إليهم ، فأعلمهم أنّه حىّ. ففعل ، فقال لهم سيّدهم عمرو بن الحجاج : أما اذا كان صاحبكم حيّا فما يعجلكم الفتنة؟ انصرفوا. فانصرفوا.
فلمّا علم ابن زياد أنّهم قد انصرفوا أمر بهانىء فأتى به السوق فضربت عنقه