وروى أنّ أعرابيا ركب قعودا (١) له ، وقال : إنى لمقرن له ، فركضت به القعود حتى صرعته ، فاندقّت عنقه. وما ينبغي لعبد أن يدع قول هذا ، وليس بواجب ذكره باللسان ، وإنما الواجب اعتقاده بالقلب ، أما أنه يستحبّ له ذكره باللسان فيقول متى ركب ـ وخاصة باللسان إذا تذكر ـ في السفر : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (٢) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) ، اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل والمال ، اللهم إنى أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، والحور بعد الكور (٣) ، وسوء المنظر في الأهل والمال ، يعنى بالحور والكور تشتّت أمر الرجل بعد اجتماعه.
وقال عمرو بن دينار : ركبت مع أبى جعفر إلى أرض له نحو حائط (٤) يقال لها مدركة ، فركب على جمل صعب ، فقلت له : أبا جعفر ، أما تخاف أن يصرعك. فقال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال (٥) : على سنام كلّ بعير شيطان ، فإذا ركبتموها فاذكروا اسم الله كما أمركم ، ثم امتهنوها لأنفسكم ، فإنما يحمل الله.
وقال علىّ بن ربيعة (٦) : شهدت على بن أبى طالب ركب دابة يوما ، فلما وضع رجله في الركاب قال بسم الله ، فلما استوى على الدابة قال : الحمد لله ، ثم قال : سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون. ثم قال : الحمد لله ، والله أكبر ـ ثلاثا ، اللهم لا إله إلّا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، [ثم ضحك فقلت له : ما أضحكك؟ قال : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم صنع كما صنعت ، وقال كما قلت ، ثم ضحك ، فقلت له : ما يضحكك يا رسول الله؟ قال : لعبد ـ أو قال : عجبا لعبد ـ أن يقول : اللهم لا إله إلّا أنت ، ظلمت نفسي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت] (٧) ، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيره.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (٨) : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
فيها أربع مسائل :
__________________
(١) القعود من الإبل : ما يقتعده الراعي في كل حاجة (القاموس).
(٢) آية ١٤ من السورة.
(٣) الحور : النقصان. والكور : الزيادة (النهاية).
(٤) الحائط : الحديقة.
(٥) ابن كثير : ٤ ـ ١٢٤.
(٦) ما بين القوسين ليس في م ، ش.
(٧) آية ٢٨.