سورة الزّمر
[فيها أربع آيات]
الآية الأولى ـ قوله تعالى (١) : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) ، وهي دليل على وجوب النية في كل عمل ، وأعظمه الوضوء الذي هو شطر (٢) الإيمان ، خلافا لأبى حنيفة ، والوليد بن مسلم ، عن مالك اللذين يقولان : إنّ الوضوء يكفى من غير نيّة ، وما كان ليكون من الإيمان شطره ، ولا ليخرج الخطايا من بين الأظافر والشعر بغير نية ، وقد حققناه في مسائل الخلاف.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (٣) : (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ).
روى أبو بكر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عن مالك بن أنس ، في قوله : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) قال : هو الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها ، وقد بلغني أنّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.
قال القاضي : الصّبر مقام عظيم من مقامات الدين ، وهو حبس النفس عما تكرهه من تسريح الخواطر ، وإرسال اللسان ، وانبساط الجوارح على ما يخالف حال الصبر ، ومن الذي يستطيعه! فما روى أن أحد انتهى إلى منزلة أيوب عليه السلام. حتى صبر على عظيم البلاء عن سؤال كشفه بالدعاء ، وإنما عرض حين خشي على دينه لضعف قلبه عن الإيمان ، فقال : مسّنى الضّرّ وأنت أرحم الراحمين ، ولهذا المعنى جعلوه في الآثار (٤) نصف الإيمان ، فإن الإيمان على قسمين : مأمور ومزجور ، فالمأمور يتوصّل إليه بالفعل ، والمزجور امتثاله بالكف والدعة عن الاسترسال إليه ، وهو الصبر ، فأعلمنا ربنا تبارك وتعالى أنّ ثواب الأعمال الصالحة مقدّر من حسنة إلى سبعمائة ضعف ، وخبأ قدر الصبر منها تحت علمه ، فقال : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ).
__________________
(١) آية ٢.
(٢) في ا : شرط.
(٣) آية ١٠.
(٤) في ا : الإيمان ، والمثبت من ش.