فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ هذا كلام مرتبط بما قبله وصّى الله فيه داود ، فيدلّ ذلك على أنّ الذي عوتب عليه طلب المرأة من زوجها ، وليس ذلك بعدل ، ألا ترى أنّ محمدا صلّى الله عليه وسلم لم يطلب امرأة زيد ، وإنما تكلم في أمرها بعد فراق زوجها وإتمام عدّتها. وقد بينّا أنّ هذا جائز في الجملة ، ويبعد من منصب النبوة ، فلهذا ذكر وعليه عوتب وبه وعظ.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (خَلِيفَةً).
قد بيّنا الخلافة ومعناها لغة ، وهو قيام الشيء مقام الشيء ، والحكم لله ، وقد جعله الله للخلق على العموم بقوله عليه السلام : إن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ، وعلى الخصوص في قوله تعالى (١) : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ، وقوله تعالى (٢) : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ). والخلفاء على أقسام :
أولهم ـ الإمام الأعظم ، وآخرهم العبد في مال سيّده ، قال النبي صلّى الله عليه وسلم : كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيته ، والعبد راع في مال سيده ومسئول عن رعيته. بيد أنّ الإمام الأعظم لا يمكنه تولّى كلّ الأمور بنفسه ، فلا بدّ من الاستنابة ، وهي على أقسام كثيرة :
أوّلها ـ الاختلاف على البلاد ، وهو على قسمين : أحدهما أن يقدمه على العموم ، أو يقدمه على الخصوص ، فإن قدّمه وعيّنه في منشوره وقف نظره حيث خصّ به ، وإن قدمه على العموم فكلّ ما في المصر يتقدّم عليه ، وذلك في ثلاثة أحكام :
الأول ـ القضاء بين الناس ، فله أن يقضى ، وله أن يقدم من يقضى ، فإذا قدم للقضاء بين الناس والحكم بين الخلق كان له النظر فيما فيه التنازع ، بين الخلق ، وذلك حيث تزدحم أهواؤهم ، وهي على ثلاثة أشياء : النفس ، والعرض ، والمال ، يفصل فيما تنازعهم ، ويذبّ عنهم من يؤذيهم ، ويحفظ من الضياع أموالهم بالجباية إن كانت مفرّقة ، وبتفريقها على
__________________
(١) سورة البقرة ، آية ٣٠.
(٢) سورة ص ٢٦. (٤ ـ أحكام ـ ٤).