الجار والولد والأخ والفضيلة أكرم فضيلة ، فكيف سترت على جارك حتى لم تقص نبأه في أخبارك ؛ وعكفت على أنبيائك وأحبارك تقول عنهم ما لم يفعلوا ، وتنسب إليهم ما لم يتلبّسوا به ، ولا تلوّثوا به ، نعوذ بالله من هذا التعدّى والجهل بحقيقة الدّين في الأنبياء والمسلمين والعلماء والصالحين.
فإن قيل : فقد ذكر الله أخبارهم.
قلنا : عن ذلك جوابان :
أحدهما ـ للمولى أن يذكر ما شاء من أخبار عبيده ، ويستر ويفضح ، ويعفو ويأخذ ، وليس ينبغي للعبد أن ينبزّ (١) في مولاه بما يوجب عليه اللّوم ، فكيف بما عليه فيه الأدب والحدّ ، وإن الله تعالى قد قال في كتابه لعباده في برّ الوالدين (٢) : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) ، فكيف بما زاد عليه؟ فما ظنك بالأنبياء ، وحقّهم أعظم ، وحرمتهم آكد ، وأنتم تغمسون ألسنتكم في أعراضهم ، ولو قرّرتم في أنفسكم حرمتهم لما ذكرتم قصّتهم.
الثاني ـ أن الحكمة في أن الله ذكر قصص الأنبياء فيما أتوا من ذلك علمه بأنّ العباد سيخوضون فيها بقدر ، ويتكلّمون فيها بحكمة ، ولا يسأل عن معنى ذلك ولا عن غيره ، فقد ذكر الله أمرهم كما وقع ، ووصف حالهم بالصدق كما جرى ، كما قال تعالى (٣) : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) ، يعنى أصدقه. وقال (٤) : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ). وقد وصيناكم إذا كنتم لا بدّ آخذين في شأنهم ذاكرين قصصهم ألّا تعدوا ما أخبر الله عنهم ، وتقولوا ذلك بصفة التعظيم لهم والتنزيه عن غير ما نسب الله إليهم ، ولا يقولنّ أحدكم : قد عصى الأنبياء فكيف نحن ، فإن ذكر ذلك كفر.
المسألة التاسعة ـ في ذكر قصة داود عليه السلام على الخصوص بالجائز منها دون الممتنع : أما قولهم : إنّ داود حدّث نفسه أن يعتصم إذا ابتلى ففيه ثلاثة أوجه :
الأول ـ أن حديث النفس لا حرج في شرعنا آخرا ، وقد كنا قبل ذلك قيل لنا إنا نؤاخذ به ، ثم رفع الله ذلك عنّا بفضله ، فاحتمل أن يكون ذلك مؤاخذا به في شرع من
__________________
(١) فلان ينبز بالصبيان : يلقبهم.
(٢) سورة الإسراء : آية ٢٣.
(٣) سورة يوسف ، آية ٣.
(٤) سورة هود ، آية ١٢٠.