مختلفة ، وأحوال متفاوتة ، أمثلها أنّ داود حدّثته نفسه إذ ابتلى أن يعتصم ، فقيل له : إنك ستبتلى وتعلم الذي تبتلى فيه ، فخذ حذرك. فأخذ الزّبور ودخل المحراب ، ومنع من الدخول عليه ، فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون ، وجعل يدرج بين يديه ، فهمّ أن يتناوله بيده ، فاستدرج حتى وقع في كوّة المحراب ، فدنا منه ليأخذه ، فطار فاطلع ليبصره فأشرف على امرأة تغتسل ، فلما رأته غطّت جسدها بشعرها ، فوقعت في قلبه ، وكان زوجها غازيا (١) في سبيل الله ، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت ، إما أن يفتح الله عليهم ، وإما أن يقتلوا. فقدمه فيهم ، فقتل. فلما انقضت عدّتها خطبها داود ، فاشترطت عليه إن ولدت غلاما أن يكون الخليفة من بعده ، وكتبت عليه بذلك كتابا ، وأشهدت عليه خمسين رجلا من بنى إسرائيل ، فلم تستقر نفسه حتى ولدت سليمان ، وشبّ وتسوّر الملكان وكان من قصّها (٢) ما قصّ الله تعالى في كتابه. قالوا : لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض.
المسألة الثامنة ـ في التنقيح :
قد قدمنا لكم فيما سلف ، وأوضحنا في غير موضع أنّ الأنبياء معصومون عن الكبائر إجماعا ، وفي الصغائر اختلاف ، وأنا أقول : إنهم معصومون عن الصغائر والكبائر لوجوه بينّاها في كتاب النبوات من أصول الدين ، وقد قال جماعة : لا صغيرة في الذنوب وهو صحيح ، كما قالت طائفة : إنّ من الذنوب كبائر وصغائر ، وهو صحيح.
وتحقيقه أنّ الكفر معصية ليس فوقها معصية ، كما أن النظرة (٣) معصية ليس دونها معصية ، وبينهما ذنوب إن قرّنها بالكفر والقتل والزنا وعقوق الوالدين والقذف والغصب كانت صغائر ، وإن أضفتها إلى ما يليها في القسم الثاني الذي بعده من جهة النظر كانت كبائر ، والذي أوقع الناس في ذلك رواية المفسرين وأهل التقصير من المسلمين في قصص الأنبياء مصائب لا قدر عند الله لمن اعتقدها روايات ومذاهب ، ولقد كان من حسن الأدب مع الأنبياء صلوات الله عليهم ألّا تبثّ عثراتهم لو (٤) عثروا ، ولا تبث فلتاتهم لو استفلتوا ، فإن إسبال الستر على
__________________
(١) في ش : غائبا.
(٢) في ش : قصتهما.
(٣) في ش : النظر.
(٤) في ش : وإن.