وأما الشافعى ومالك فإنهما يريان الحدّ بالقذف حقّا للآدمي ، فيتعدّد بتعدد المقذوف ، وقد بينا ذلك في مسائل الخلاف.
الثالث ـ أنه حدّ بغير مطالبة المقذوف ، ولا يجوز إقامة حدّ القذف بإجماع من الأمة إلا بعد المطالبة بإقامته ممن يقول إنه حقّ لله ، ومن يقول إنه حقّ للآدمي. وبهذا المعنى وقع الاحتجاج لمن يرى أنه حقّ للآدمي ، إذ يقول : لو كان حقّا لله (١) لما توقف على المطالبة كحد الزنا.
الرابع ـ أنه والى بين الحدّين ، ومن وجب عليه حدّان لم يوال بينهما ، بل يحدّ لأحدهما ، ثم يترك حتى يندمل الضرب أو يستبل (٢) المضروب ، ثم يقام عليه الحدّ الآخر.
الخامس ـ أنه حدّها قائمة ، ولا تحدّ المرأة إلا جالسة مستورة. قال بعض الناس : في زنبيل ، حسبما بينّاه في كتب المسائل.
السادس ـ أنه أقام الحد في المسجد ، ولا يقام الحدّ فيه إجماعا. وفي القصاص في المسجد والتعزير فيه خلاف قدمنا بيانه فيما سلف من هذا الكتاب وفي كتب المسائل والخلاف ، فهذا هو فصل الخطاب وعلم القضاء الذي وقعت الإشارة إليه على أحد التأويلات في الحديث المروىّ : أقضاكم علىّ ، حسبما أشرنا إليه آنفا.
وأما من قال : إنه الإيجاز فذلك للعرب دون العجم ، ولمحمد صلّى الله عليه وسلم دون العرب ، وقد بيّن هذا بقوله : أوتيت جوامع الكلم ، وكان أفصح الناس بعده أبو بكر الصديق ، حسبما بيناه في آيات الكتاب في سورة براءة وفي سورة النور.
وأما من قال : إنه قوله : «أما بعد» فكان النبي صلّى الله عليه وسلم يقول في خطبته : أما بعد. ويروى أن أول من قالها في الجاهلية سحبان وائل ، وهو أول من آمن بالبعث ، وأول من اتّكأ على عصا ، وعمّر مائة وثمانين سنة.
ولو صح أنّ داود قالها فإنه لم يكن ذلك منه بالعربية على هذا النظم ، وإنما كان بلسانه. والله أعلم.
__________________
(١) في ش : للآدمي.
(٢) استبل وأبل : برأ وصح.