فقصّوا عليه القصة ، فقال : أنا أقضى بينكم. فقال قائل : إنّ عليّا قد قضى بيننا ، وأخبروه بما قضى به علىّ. فقال عليه السلام : القضاء كما قضاه علىّ.
وفي رواية : فأمضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قضاء علىّ.
وكذلك يروى في المعرفة بالقضاء أنّ أبا حنيفة جاء إليه رجل ، فقال : إنّ ابن أبي ليلى ـ وكان قاضيا بالكوفة ـ جلد امرأة مجنونة قالت لرجل : يا ابن الزانيين. فحدّها حدّين في المسجد ، وهي قائمة. فقال : أخطأ من ستة أوجه.
وهذا الذي قاله أبو حنيفة بالبديهة لا يدركه أحد بالرويّة إلّا العلماء.
فأما قصة علىّ فلا يدركها الشادى ولا يلحقها بعد التمرن في الأحكام إلّا العاكف المتمادى.
وتحقيقها أنّ هؤلاء الأربعة مقتولون خطأ بالتدافع على الحفرة من الحاضرين عليها فلهم الديات على من حفر على وجه الخطأ ، بيد أنّ الأول مقتول بالمدافعة قاتل ثلاثة بالمجاذبة ، فله الدية بما قتل ، وعليه ثلاثة أرباع الدية للثلاثة الذين قتلهم.
وأما الثاني فله ثلث الدية ، وعليه الثلثان للاثنين اللذين قتلهما بالمجاذبة.
وأما الثالث فله نصف الدية ، وعليه النصف ، لأنه قتل واحدا بالمجاذبة ، فوقعت المحاصّة (١) ، وغرمت العواقل هذا التقدير بعد القصاص (٢) الجاري فيه. وهذا من بديع الاستنباط.
وأما أبو حنيفة فإنه نظر إلى المعاني المتعلّقة فرآها ستة :
الأول ـ أن المجنون لا حدّ عليه ، لأن الجنون يسقط التكليف ، هذا إذا كان القذف في حالة الجنون ، فأما إذا كان يجنّ مرة ويفيق أخرى فإنه يحدّ بالقذف في حال إفاقته.
الثاني ـ قولها يا ابن الزانيين ، فجلدها حدّين لكل أب حدّ ، فإنما خطأه أبو حنيفة فيه بناء على مذهبه في أن حدّ القذف يتداخل ، لأنه عنده حقّ لله تعالى كحد الخمر والزنى.
__________________
(١) في م : فرفعت المخاصمة.
(٢) في ش : القضاء.