ثم قال في الآية الرابعة (١) : (فَكُّ رَقَبَةٍ). وفي الآية الخامسة (٢) : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ). ثم قال في الآية السادسة (٣) : (يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ). ثم قال في الآية السابعة (٤) : (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ). فهذه الأعمال إنما تكون في الدنيا.
المعنى فلم يأت في الدنيا بما يسهّل له سلوك العقبة في الآخرة.
تحقيقه : وما أدراك ما العقبة ، أى شيء يقتحم به العقبة ، لأنّ الاقتحام يدلّ على مقتحم به ، وهو ما فسّره من الأعمال الصالحة ، أوّلها فكّ رقبة. والفكّ هو حل القيد ، والرقّ قيد ، وسمى المرقوق رقبة ، لأنه كالأسير الذي يربط بالقيد في عنقه ، قال حسان (٥) :
كم من أسير فككناه بلا ثمن |
|
وجزّ ناصية كنّا مواليها |
وفكّ الأسير من العدوّ مثله ، بل أولى منه على ما بيناه فيما قبل.
وفي الحديث : من أعتق [امرأ مسلما كان فكاكه من النار. وفي الحديث من أعتق] (٦) رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها (٧) عضوا منه من النار حتى الفرج بالفرج.
وهو حديث صحيح عظيم في تكفير الزنا بالعتق.
وفي كتب المالكية أن واثلة بن الأسقع سئل أن يحدّث بحديث لا وهم فيه ولا نقصان ، فغضب واثلة ، وقال : المصاحف تجدّدون فيها النظر بكرة وعشية وأنتم تهمّون تزيدون وتنقصون! ثم قال : جاء ناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، صاحبنا هذا قد أوجب. قال النبي صلّى الله عليه وسلم : مروه فليعتق رقبة ، فإن له بكل عضو من المعتق عضوا منه من النار.
وروى الوليد بن مسلم ، عن مالك بن أنس ، عن إبراهيم بن أبى عيلة ، حدثهم عن [إبراهيم بن] (٨) عبد الله بن الديلي ، عن واثلة بن الأسقع بنحو (٩) مثله.
المسألة الخامسة ـ قال أصبغ : الرقبة الكافرة ذات الثمن أفضل في العتق من الرقبة المؤمنة القليلة الثمن ، لقول النبي صلّى الله عليه وسلم ـ وقد سئل أى الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنا ، وأنفسها عند أهلها.
__________________
(١) آية ١٣
(٢) آية ١٤
(٣) آية ١٥.
(٤) آية ١٦.
(٥) ديوانه : ٤٢٤.
(٦) ساقط من ش.
(٧) في ش : بكل إرب منه إربا منه.
(٨) في ش : نحوه.