الرابع ـ قال مجاهد : وأنت حلّ بهذا البلد ليس عليك ما على الناس فيه من الإثم ، يريد أنّ الله عصمك. وقد بينّاه.
المسألة الثانية ـ أما قوله : (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) ، أى ساكن فيه ، فيحتمل اللفظ ، وتقتضيه الكرامة ، ويشهد له عظم المنزلة.
وأما القول الثاني فقد تقدم القول في جواز القتل بمكة وإقامة الحدود فيها في غير ما موضع من كتابنا هذا ، خلافا لأبى حنيفة ، وفي غير هذا الكتاب.
وأما دخوله مكة بغير إحرام فقد كان ذلك.
وأما دخول الناس مكة فعلى قسمين : إما لتردد المعاش ، وإما لحاجة عرضت ، فإن كان لتردد المعاش فيدخلها حلالا ، لأنه لو كلف الإحرام في كل وقت لم يطقه ، وقد رفع تكليف هذا عنا. وأما إن كان لحاجة عرضت فلا يخلو ، إما أن تكون حجّة أو عمرة أو غيرهما ، فإن كان حجة أو عمرة فلا خلاف في وجوب الإحرام ، وإن كان غيرهما فاختلفت الرواية فيه ، ففي المشهور عن مالك أنّه لا بدّ من الإحرام. وروى عنه تركه.
واختلف العلماء مثل هذا الاختلاف. والصحيح وجوب الإحرام ، لقوله عليه السلام : لم تحلّ لأحد قبلي ، ولا تحلّ لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار. وهذا عام.
المسألة الثالثة ـ قوله : (بِهذَا الْبَلَدِ) مكة باتفاق من الأمة ، وذلك أن السورة مكية ، وقد أشار له (١) ربه بهذا ، وذكر له البلد بالألف واللام ، فاقتضى ذلك [ضرورة] (٢) لتعريف المعهود. وفيه قولان :
أحدهما ـ أنه مكة.
والثاني ـ أنه الحرم كلّه. وهو الصحيح ، لأن البلد بحريمه ، كما أنّ الدار بحريمها ، فحريم الدار ما أحاط بجدرانها ، واتّصل بحدودها ، وحريم بابها ما كان للمدخل والمخرج ، وحريم البئر في الحديث أربعون ذراعا ، وعند علمائنا يختلف ذلك بحسب اختلاف الأراضي في الصلابة والرخاوة ، ولها حريم السقي بحيث لا تختلط الماشية بالماشية من البئر الأخرى في المسقى (٣) والمبرك ، ومن حاز حريما أو مناخا قبل صاحبه فهو له. وحريم الشجرة ما عمرت به في العادة.
__________________
(١) في ش : إليه.
(٢) ليس في ش.
(٣) في ش : المستقى.