والجواب الصحيح أن نقول : إن الصلة بها في أول الكلام كصلة آخره بها ، كذكرها في أثنائه ، بل ذكرها في أثنائه أبلغ في الإشكال ، كقوله : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) ، ولو كان هذا كله خارجا عن أسلوب البلاغة ، قادحا في زين الفصاحة ، مثّبجا قوانين (١) العربية التي طال القرآن بها أنواع الكلام لاعترض عليه به الفصحاء البلغ ، والعرب العرب والخصماء اللد ، فلما سلموا فيه تبيّن أنه على أسلوبهم جار ، وفي رأس فصاحتهم منظوم ، وعلى قطب عربيتهم دائر ، وقد عبّر عنه سعيد بن جبير وغيره من محققي المفسرين ، فقالوا قوله : (لا أُقْسِمُ) قسم.
المسألة الخامسة ـ فإن قيل : كيف أقسم الله سبحانه بغيره.
قلنا : هذا قد بينا الجواب عنه على البلاغ في كتاب قانون التأويل ، وقلنا : للباري تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته تعظيما لها.
فإن قيل : فلم منع النبىّ صلّى الله عليه وسلم من القسم بغير الله؟
قلنا : لا تعلل العبادات. ولله أن يشرع ما شاء ، ويمنع ما شاء ، [ويبيح ما شاء] ، وينوع المباح والمباح له ، ويغاير بين المشتركين ، ويماثل بين المختلفين ، ولا اعتراض عليه فيما كلف من ذلك ، وحمل ، فإنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
فإن قيل : فلم قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح للأعرابى الذي قص (٢) عليه دعائم الإسلام وفرائض الإيمان ، فقال : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص : أفلح وأبيه إن صدق.
[قلت : قد رأيته في نسخة مشرقية في الإسكندرية : أفلح والله إن صدق ، ويمكن] (٣) أن يتصحف [قوله] (٤) : والله بقوله : وأبيه.
جواب آخر بأن هذا منسوخ بقوله : «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم».
جواب آخر ـ إن النبىّ صلّى الله عليه وسلم إنما نهى عنه عبادة ، فإذا جرى ذلك على الألسن
__________________
(١) في ا : مثبجا قوله بين العربية. وفي م : مثبجا قوانين العربية التي ما زال قرآن بها.
(٢) في ش ، م : نص.
(٣) بدل ما بين القوسين في ش : قلنا : يمكن.
(٤) من ش.