خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ). والنازلة واحدة ، والمقصود واحد ، والمعنى سواء ، فالاختلاف إنما يعود إلى اللفظ خاصة.
وأما من قال : إنه توكيد فلا معنى له هاهنا ، لأن التوكيد إنما يكون إذا ظهر المؤكد كقوله : لا والله أقوم ، فإذا لم يكن هناك مؤكد فلا وجه للتأكيد ، ألا ترى إلى قوله :
فلا وأبيك ابنة العامرىّ |
|
لا يدّعى القوم أنّى أفرّ |
[كيف] (١) أكد النفي وهو لا يدعى بمثله.
ومن أغرب هذا أنه قد تضمر وينفى (٢) معناها ، كما قال أبو كبشة :
فقلت يمين الله أبرح قاعدا |
|
ولو قطعوا رأسى لديك (٣) وأوصالى |
في قول. وقد حققنا ذلك في رسالة الإلجاء للفقهاء إلى معرفة غوامض الأدباء.
وأما من قال : إنها رد فهو قول ليس له رد ، لأنه يصح (٤) به المعنى ، ويتمكّن اللفظ والمراد.
المسألة الرابعة ـ وأما من قرأها : لأقسم فاختلفوا ، فمنهم من حذفها في الخط كما حذفها في اللفظ ، وهذا لا يجوز ، فإن خط المصحف أصل ثبت بإجماع الصحابة. ومنهم من قال : أكتبها ولا ألفظ بها ، كما كتبوا لا إلى الجحيم. و «لا إلى الله تحشرون» بألف ، ولم يلفظوا بها ، وهذا يلزمهم في قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) وشبهه ، ولم يقولوا به.
فإن قيل : إنما تكون صلة (٥) في أثناء الكلام ، كقوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) وقوله : (أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) ونحوه. فأما في ابتداء الكلام فلا يوصل بها إلا مقرونة بألف كقوله : (أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ).
فأجابوا عنه بأن قالوا : إن القرآن ككلمة واحدة ، وليس كما زعموا ، لأنه لو وصل بها ما قبلها لكانت (٦) : أهل التقوى وأهل المغفرة لا أقسم بيوم القيامة.
وهذا لا يجوز ، حتى إن قوما كرهوا في القراءة أن يصلوها بها ، ووقفوا حتى يفرّقوا بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم ، ليقطعوا الوصل المتوهم.
__________________
(١) ساقط من م ، ش.
(٢) في ش ، م : ولا ينفى.
(٣) في ش : عليك.
(٤) في ش : لأنه يصلح.
(٥) في ش : مثله.
(٦) في ش : لكان.