المسألة الثانية ـ تحقيق (١) قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) ، يعنى القرآن مطلقا ـ قول ضعيف ، لأنه (٢) باطل قطعا.
وأما القول بأنه فيه أحكامه فإن أراد معظم الأحكام فقد بينّا تحقيق ذلك في قوله(٣) : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ). وأما إن أراد به ما في هذه السورة فهو الأولى من الأقوال ، وهو الصحيح منها. والله أعلم.
المسألة الثالثة ـ تعلق أبو حنيفة وأصحابه في جواز القراءة في الصلاة بالعجمية بقوله تعالى : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى. صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى). قالوا : فقد أخبر الله أنّ كتابه وقرآنه في صحف إبراهيم وموسى بالعبرانية ، فدلّ على جواز الإخبار بها عنه وبأمثالها من سائر الألسن التي تخالفه.
والجواب عنه من وجهين :
الأول ـ أنا نقول : إن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل عليهم الكتب ، وما بعث الله من رسول إلّا بلسان قومه ، كما أخبر ، وما أنزل من كتاب إلا بلغتهم ، فقال سبحانه وتعالى (٤) : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) ، كلّ ذلك تيسير منه عليهم ، وتقريب للتفهيم إليهم ، وكل مفهم بلغته متعبّد بشريعته ولكل كتاب بلغتهم اسم ، فاسمه بلغة موسى التوراة ، واسمه بلغة عيسى الإنجيل ، واسمه بلغة محمد القرآن ، فقيل لنا : اقرءوا القرآن ، فيلزمنا أن نعبد الله بما يسمى قرآنا.
الثاني ـ هبكم سلمنا لكم أن يكون في صحف موسى بالعبرانية فما الذي يقتضى أنه تجوز قراءته بالفارسية؟ فإن قيل : بالقياس.
قلت : ليس هذا موضعه لا سيما عندكم ، وقد بيناه في أصول الفقه ومسائل الخلاف على التمام ، فلينظر هنالك إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) في ش : أما قوله تعالى .... فقول ضعيف.
(٢) في ا : لا باطل.
(٣) سورة الشورى ، آية ١٣.
(٤) سورة إبراهيم ، آية ٤.