فهذه ثلاثة مواطن ، وهي القسم في النكاح ، والعتق ، والقسمة ، وجريان القرعة فيها لرفع الإشكال وحسم داء التشهى.
واختلف علماؤنا في القرعة بين الزوجات عند (١) الغزو على قولين ، الصحيح منهما الاقتراع ، وبه قال أكثر فقهاء الأمصار ، وذلك لأنّ السفر بجميعهن لا يمكن ، واختيار واحدة منهن إيثار ، فلم يبق إلا القرعة.
وكذلك مسألة الأعبد الستة فإن كل اثنين منهم ثلث ، وهو القدر الذي يجوز له فيه العتق في مرض الموت ، وتعيينهما بالتشهّي لا يجوز شرعا ، فلم يبق إلا القرعة.
وكذلك التشاجر إذا وقع في أعيان المواريث لم يميّز الحقّ إلا القرعة ، فصارت أصلا في تعيين المستحقّ إذا أشكل.
والحقّ عندي أن تجرى في كل مشكل ، فذلك أبين لها ، وأقوى لفصل الحكم فيها ، وأجلى لرفع الإشكال عنها ، ولذلك قلنا : إنّ القرعة بين الزوجات في الطلاق كالقرعة بين الإماء في العتق ، وتفصيل الاقتراع في باب القسمة (٢) مذكور في كتب الفقه.
المسألة الرابعة ـ الاقتراع على إلقاء الآدمي في البحر لا يجوز ، فكيف المسلم؟ وإنما كان ذلك في يونس وفي زمانه مقدّمة لتحقيق برهانه وزيادة في إيمانه ، فإنه لا يجوز لمن كان عاصيا أن يقتل ولا يرمى به في النار والبحر ، وإنما تجرى عليه الحدود والتعزير على مقدار جنايته.
فإن قيل : إنما رمى في البحر ، لأنّ السفينة وقفت وأشرفت على الهلاك ، فقالوا : هذا من حادث فينا فانظروا من بينكم فلم يتعين ، فسلطوا عليه مسبار الإشكال ، وهي القرعة ، فلما خرجوا بالقرعة إليه مرة بعد أخرى علم أنه لا بدّ من رميهم له ، فرمى هو بنفسه ، وأيقن أنه بلاء من (٣) ربه ، ورجا حسن العاقبة ، ولهذا ظن بعض الناس أنّ البحر إذا هال على القوم فاضطروا إلى تخفيف السفينة أن القرعة تضرب عليهم ، فيطرح بعضهم تخفيفا. وهذا فاسد ، فإنها لا تخفّ برمي بعض الرجال ، وإنما ذلك في الأموال ، وإنما يصبرون على قضاء الله ، وذلك كلّه مستوفى عند ذكر المسائل الفروعية.
__________________
(١) في م : في.
(٢) في ا : القسم.
(٣) في م : لا بد من رميه.