والفحل ، وكل شيء عندهم ، وعزلوا الوالدة عن ولدها والمرأة عن حليلها ، وتابوا إلى الله ، وصاحوا حتى سمع لهم عجيج ، فأتاهم العذاب حتى نظروا إليه ، ثم صرفه الله عنهم ، فغضب يونس ، وركب البحر في سفينة ، حتى إذا كانوا حيث شاء الله ركدت السفينة وقيل: هاج البحر بأمواجه ، وقيل : عرض لهم حوت حبس جريتها ، فقالوا : إنّ فينا مشئوما أو مذنبا ، فلنقترع عليه ؛ فاقترعوا فطار السهم على يونس ، فقالوا : على مثل هذا يقع السهم! قد أخطأنا فأعيدوها ، فأعادوا القرعة فوقعت عليه ، فقالوا مثله ، وأعادوها ، فوقعت القرعة عليه. فلما رأى ذلك يونس رمى بنفسه في البحر ، فالتقمه الحوت ، فأوحى الله إليه : إنا لم نجعل يونس لك رزقا ، وإنما جعلنا بطنك له سجنا ، فنادى أن لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين ، فاستجاب الله له ، وأمر الحوت فرماه على الساحل قد ذهب شعره ، فأنبت الله عليه (١) شجرة من يقطين ، فلما ارتفعت الشمس (٢) تحاتّ ورقها ، فبكى ؛ فأوحى الله إليه أتبكي على شجرة أنبتّها في يوم وأهلكتها في يوم ، ولا تبكى على مائة ألف أو يزيدون آمنوا فمتّعناهم إلى حين.
المسألة الثالثة ـ قوله : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) نصّ على القرعة. وكانت في شريعة من قبلنا جائزة في كل شيء على العموم على ما يقتضيه موارد أخبارها في الإسرائيليات ، وجاءت القرعة في شرعنا على الخصوص على ما أشرنا إليه في سورة آل عمران ، فإنّ القوم اقترعوا على مريم أيّهم يكفلها ، وجرت سهامهم عليها والقول في جرية الماء بها ، وليس ذلك في شرعنا ، وإنما تجرى الكفالة على مراتب القرابة ، وقد وردت القرعة في الشرع في ثلاثة مواطن : الأول ـ كان النبىّ صلّى عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها معه.
الثاني ـ أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم رفع إليه أنّ رجلا أعتق في مرض موته ستة أعبد لا مال له غيرهم ، فأقرع بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة.
الثالث ـ أن رجلين اختصما إليه في مواريث درست ، فقال : اذهبا وتوخّيا الحق واستهما ، وليحلل كلّ واحد منكما صاحبه.
__________________
(١) في م : له.
(٢) في م : الشجرة.