فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ يونس عليه السلام رسول ربّ العالمين ، وهو يونس بن متى ، قال النبي صلّى الله عليه وسلم : لا تفضّلونى على يونس بن متى. ونسبه إلى أبيه ، أخبرنى غير واحد من أصحابنا عن إمام الحرمين أبى المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني أنه سئل : هل الباري تعالى في جهة؟ فقال : لا ، هو يتعالى عن ذلك. قيل له : ما الدليل عليه (١)؟ قال : الدليل عليه قوله عليه السلام : لا تفضّلونى على يونس بن متى ، فقيل له : ما وجه الدليل من هذا الخبر؟ قال : لا أقوله حتى يأخذ ضيفي هذا ألف دينار يقضى بها دينه. فقام رجلان فقالا : هي علينا. فقال : لا يتبع بها اثنين ، لأنه يشق عليه. فقال واحد: هي علىّ.
فقال إن يونس بن متى رمى بنفسه في البحر ، فالتقمه الحوت ، وصار في قعر البحر في ظلمات ثلاث ، ونادى : لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين ، كما أخبر الله عنه ، ولم يكن محمد صلّى الله عليه وسلم بأقرب من الله من يونس حين جلس على الرفرف الأخضر ، وارتقى به ، وصعد حتى انتهى به إلى موضع يسمع منه صرير الأقلام ، وناجاه ربه بما ناجاه ، وأوحى إلى عبده ما أوحى ـ بأقرب من الله من يونس بن متى في بطن الحوت وظلمة البحر.
قصدت قبره مرارا لا أحصيها بقرية جلجون (٢) في مسيري من المسجد الأقصى إلى قبر الخليل ، وبتّ به ، وتقربت إلى الله تعالى بمحبته ، ودرسنا كثيرا من العلم عنده ، والله ينفعنا به.
المسألة الثانية ـ بعثه الله إلى أهل نينوى من قرى الموصل على دجلة ومن داناهم ، فكذبوه على عادة الأمم مع الرسل ، فنزل جبريل على يونس ، فقال له : إن العذاب يأتى قومك يوم كذا وكذا. فلما كان يومئذ جاءه جبريل ، فقال له : إنهم قد حضرهم العذاب. قال له يونس : ألتمس دابّة. قال : الأمر أعجل من ذلك. قال : فألتمس حذاء. قال : الأمر أعجل من ذلك. قال : فغضب يونس وخرج ، وكانت العلامة بينه وبين قومه في نزول العذاب عليهم خروجه عنهم. فلما فقدوه خرجوا بالصغير والكبير ، والشاة والسخلة ، والناقة والهبع (٣)
__________________
(١) في ش : على ذلك.
(٢) في م : جلجول.
(٣) الهبع : الحمار والفصيل ينتج أو في آخر النتاج (القاموس).