الله تعالى قال : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ.) والإيمان إلزام أصلى. والنذر إلزام فرعى ، فيجب أن يكون عليه محمولا.
فإن قيل : كيف يؤمر إبراهيم بذبح الولد (١) وهي معصية والأمر بالمعصية لا يجوز؟ قلنا : هذا اعتراض على كتاب الله ، فلا يكون ذلك ممن يعتقد الإسلام ، فكيف ممن يفتي في الحلال منه والحرام؟ وقد قال الله تعالى : (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ).
والذي يجلو الالتباس عن قلوب الناس في ذلك أنّ المعاصي والطاعات ليست بأوصاف ذاتية للأعيان ، وإنما الطاعة عبارة عما تعلّق به الأمر من الأفعال ، والمعصية (٢) عبارة عما تعلّق به النهى من الأفعال ، فلما تعلّق الأمر بذبح الولد إسماعيل من إبراهيم صار طاعة وابتلاء ، ولهذا قال الله تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) ، أى الصبر على ذبح الولد والنفس. ولما تعلّق النهى بنا في ذبح أبنائنا صار معصية.
فإن قيل : كيف يصير نذرا وهو معصية؟
قلنا : إنما يصير معصية لو كان هو يقصد ذبح ولده بنذره ولا ينوى الفداء.
فإن قيل : فإن (٣) وقع ذلك وقصد المعصية ولم ينوى الفداء؟
قلنا : لو قصد ذلك لم يضره في قصده ، ولا أثر في نذره ، لأن ذبح الولد صار عبارة عن ذبح الشاة شرعا.
فإن قيل : فكيف يصح أن يكون عبارة عنه وكناية فيه ، وإنما يصح أن يكون الشيء كناية عن الشيء بأحد وجهين ، إما باشتباههما في المعنى الخاص ، وإما بنسبة تكون بينهما ، وهاهنا لا نسبة بين الطاعة وهو النذر ، ولا بين المعصية وهي ذبح الولد ، ولا تشابه أيضا بينهما ، فإنّ ذبح الولد ليس بسبب لذبح الشاة.
قلنا : هو سبب له شرعا لأنه جعل كناية عنه في الشرع. والأسباب إنما تعرف عادة أو شرعا ، وقد استوفينا باقى الكلام على المسألة في كتب الأصول ومسائل الخلاف.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (٤) : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ).
__________________
(١) في م : ولده.
(٢) في م : والمعاصي.
(٣) في م : فلو.
(٤) آية ١٤١.