وقال الشافعى : لا يفسخ بكل حال. وأبو حنيفة يقول بالفسخ في تفصيل قريب من المالكية.
وقد بيّنا توجيه ذلك في الفقه ، وحققنا أنّ الصحيح فسخه بكل حال ، لقوله عليه السلام في الصحيح (١) : من عمل عملا ليس عليه أمرنا (٢) فهو ردّ.
المسألة العاشرة ـ فإن كان نكاحا فقال ابن القاسم في العتبية (٣) : لا يفسخ. قال علماؤنا : لأنه نادر ، ويقرب هذا من قول ابن الماجشون : يفسخ بيع من جرت عادته بالبيع. وقالوا : إنّ الشركة والهبة والصدقة نادر لا يفسخ.
والصحيح فسخ الجميع ، لأن البيع إنما منع للاشتغال به ، فكلّ أمر يشغل عن الجمعة من العقود كلّها فهو حرام شرعا مفسوخ ردعا.
المسألة الحادية عشرة ـ لا تفتقر إقامة الجمعة إلى السلطان ، خلافا لأبى حنيفة ، إنما تفتقر إلى الإمام ، وعليه تدلّ (٤) الآية لا على السلطان. وقد بينّا ذلك في مسائل الخلاف.
المسألة الثانية عشرة ـ قوله تعالى : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ) يختصّ بوجوب الجمعة على القريب الذي يسمع النداء ، فأما البعيد الدار الذي لا يسمع النداء فلا يدخل تحت الخطاب.
واختلف الناس فيمن يأتى الجمعة من الداني والقاصي اختلافا متباينا بينّاه في المسائل وغيرها من الخلافيات.
وجملة القول فيه أنّ المحققين من علمائنا قالوا : إنّ الجمعة تلزم من كان على ثلاثة أميال من المدينة ، لوجهين :
أحدهما ـ أنّ أهل العوالي (٥) كانوا يأتونها على عهد النبي صلّى الله عليه وسلم ، وحكمته أنّ الصوت إذا كان رفيعا والناس في هدوّ وسكون فأقصى سماع الصوت ثلاثة أميال ، وهذا نظر وملاحظة إلى قوله تعالى : (نُودِيَ) ، وهو الصحيح.
فإن قيل : فإنّ العبد والمرأة يسمعان النداء ، وقد قلتم لا تجب الجمعة عليهما.
__________________
(١) صحيح مسلم : ١٣٤٤.
(٢) في ش : عملنا.
(٣) في م : التنبيه.
(٤) في ا : تلك.
(٥) العوالي : أماكن بأعلى أراضى المدينة وأدناها من المدينة على أربعة أميال وأبعدها من نجد ثمانية.