قلنا : أمّا المرأة فلا يلزمها خطاب الجمعة ، لأنها ليست من أهل الجماعة ، ولهذا لا تدخل في خطابها.
وأما العبد ففي صحيح المذهب لا تجب عليه ، لأنّ نقص الرق أثّر بصفته حتى لم تقبل شهادته ، ولا يلزم عليه الفاسق ، لأنّ نقصه في فعله ، وهذا نقصه في ذاته ، فأشبه نقص المرأة.
ومن النكت البديعة في سقوط الجمعة عن العبد قوله تعالى : (وَذَرُوا الْبَيْعَ) فإنما خاطب الله بالجمعة من يبيع ، والعبد والصّبي لا يبيعان ، فإنّ العبد تحت حجر السيد ، والصبى تحت حجر الصغر.
المسألة الثالثة عشرة ـ قوله تعالى : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) دليل على أنّ الجمعة لا تجب إلا بالنداء ، والنداء لا يكون إلّا بعد دخول الوقت ، وقد روى عن أبى بكر الصديق وأحمد بن حنبل أنها تصلّى قبل الزوال ، وتعلّق في ذلك بحديث سلمة بن الأكوع : كنّا نصلّى مع النبي صلّى الله عليه وسلم ثم ننصرف ، وليس للحيطان ظلّ. وبحديث ابن عمر : ما كنّا نقيل ولا نتغدّى إلا بعد الجمعة. وقد كان عمر ابن الخطاب لا يخرج إلى الجمعة حتى يغشى ظلّ الجدار الغربي طنفسة عقيل بن أبى طالب التي كانت تطرح له عند الجدار ، وذلك بعد الزّوال. وحديث سلمة محمول على التبكير بالجمعة. وحديث ابن عمر دليل على أنهم كانوا يبكّرون إلى الجمعة تبكيرا كثيرا عند الغداة(١) وقبلها (٢) فلا يتناولون ذلك إلّا بعد انقضاء الصلاة.
وقد رأى مالك أنّ التبكير إلى الجمعة إنما يكون وقت الزوال بيسير. وتأوّل قول النبي صلّى الله عليه وسلم (٣) : من راح في الساعة الأولى فكأنما قرّب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشا أقرن ... الحديث ـ أنه كلّه في ساعة واحدة ، وحمله سائر العلماء على ساعات النهار الزمانية الاثنتى عشرة ساعة المستوية أو المختلفة بحسب (٤) زيادات النهار ونقصانه. وهو أصحّ ، لحديث ابن عمر: ما كانوا يقيلون ولا يتغدون إلّا بعد الجمعة ـ يريد لكثرة البكور إليها.
__________________
(١) في ش : الغداء.
(٢) في ش : وقبله.
(٣) الموطأ : ١٠١.
(٤) في م : بحساب.