فجعله ثالث الإقامة ، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم : بين كلّ أذانين صلاة لمن شاء ، يعنى الأذان والإقامة ، فتوهّم الناس أنّه أذان أصلى ، فجعلوا المؤذنين ثلاثة ، فكان وهما ، ثم جمعوهم في وقت واحد ، فكان وهما على وهم ، ورأيتهم بمدينة السلام يؤذنون بعد أذان المنار بين يدي الإمام تحت المنبر في جماعة ، كما كانوا يفعلون عندنا في الدول الماضية ، وكلّ ذلك محدث.
المسألة الخامسة ـ قوله : (لِلصَّلاةِ) ، يعنى بذلك الجمعة دون غيرها ، وقال بعض العلماء : كون الصلاة الجمعة هاهنا معلوم بالإجماع لا من نفس اللفظ. وعندي أنه معلوم من نفس اللفظ بنكتة ، وهي قوله : (مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) ، وذلك يفيده ، لأنّ النداء الذي يختصّ بذلك اليوم هو نداء تلك الصلاة ، فأما غيرها فهو عامّ في سائر الأيام ، ولو لم يكن المراد به نداء الجمعة لما كان لتخصيصه بها وإضافته إليها معنى ولا فائدة.
المسألة السادسة ـ قال بعض علمائنا : كان اسم الجمعة في العرب الأول عروبة ، فسماها الجمعة كعب بن لوى ، لاجتماع الناس فيها إلى كعب ، قال الشاعر :
لا يبعد الله أقواما هم خلطوا |
|
يوم العروبة أصراما بأصرام |
المسألة السابعة ـ قوله : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ).
اختلف العلماء في معناه على ثلاثة أقوال :
الأول ـ أن المراد به النية ، قاله الحسن.
الثاني ـ أنه العمل ، كقوله تعالى (١) : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ، وقوله تعالى (٢) : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى). وهو قول الجمهور.
الثالث ـ أن المراد به السعى على الأقدام.
ويحتمل ظاهره رابعا : وهو الجري والاشتداد ، وهو الذي أنكره الصحابة الأعلمون ، والفقهاء الأقدمون ، وقرأها عمر : «فامضوا إلى ذكر الله» فرارا عن ظنّ الجري والاشتداد الذي يدلّ عليه الظاهر.
وقرأ ابن مسعود ذلك. وقال : لو قرأت فاسعوا لسعيت حتى سقط ردائي.
وقرأ ابن شهاب : فامضوا إلى ذكر الله سالكا تلك السبل ، وهو كلّه تفسير منهم ، لا قراءة
__________________
(١) سورة الإسراء ، آية ١٩.
(٢) سورة الليل ، آية ٤.