وقول من قال : إنه أكل الحرام أقرب (٥) ، وكأنه عكس الأول ، لأنّ الحرام يتناوله بيده فيحمله إلى لسانه ، والمسألة يبدؤها بلسانه ويحملها إلى يده ، ويردّها إلى لسانه.
وأما من قال : إنه كناية عما بين البطن والفرج ، فهو أصل في المجاز حسن.
وأما قوله : (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) فهو نص في إيجاب الطاعة ، فإن النهى عن الشيء أمر بضده ، إما لفظا أو معنى على اختلاف الأصوليين في ذلك ، وأما [معنى] (١) تخصيص قوله : (فِي مَعْرُوفٍ) (٢) وقوة قوله : (لا يَعْصِينَكَ) يعطيه ؛ لأنه عام في وظائف الشريعة ، وهي :
المسألة التاسعة ـ ففيه قولان :
أحدهما ـ أنه تفسير للمعنى على التأكيد ، كما قال تعالى (٣) : (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) لأنه لو قال : «احكم» لكفى.
الثاني ـ أنه إنما شرط المعروف في بيعة النبي صلّى الله عليه وسلم حتى يكون تنبيها على أنّ غيره أولى بذلك ، وألزم له ، وأنفى للإشكال فيه.
وفي الآثار : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
المسألة العاشرة ـ روى أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم كان إذا بايع النساء على هذا قال لهنّ : فيما أطقتن ، فيقلن : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا.
وهذا بيان من النبي صلّى الله عليه وسلم لحقيقة الحال ، فإنّ الطاقة مشروطة في الشريعة ، مرفوع عن المكلفين ما ناف (٤) عليها ، حسبما بيناه في غير موضع.
المسألة الحادية عشرة ـ روت أم عطية في الصحيح قالت : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرأ علينا : أن لا يشركن بالله شيئا ، ونهانا عن النياحة ، فقبضت امرأة على يدها وقالت : أسعدتنى فلانة أريد أن أجزيها. فما قال لها النبىّ صلّى الله عليه وسلم شيئا ،
فانطلقت فرجعت فبايعها ، فيكون هذا تفسير قوله : (بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) ؛ وذلك تخميش وجوه ، وشقّ جيوب.
__________________
(١) ليس في ش.
(٢) في القرطبي : مع قوة قوله : لا يعصينك ففيه قولان (١٨ ـ ٧٥)
(٣) آخر سورة الأنبياء (آية ١١٢).
(٤) ناف : زاد.