المسألة الثالثة ـ استدل به بعض من تعقد عليه الخناصر على وجوب نفقة الابن المسلم على أبيه الكافر ، وهذه وهلة عظيمة ، فإنّ الإذن في الشيء أو ترك النهى عنه لا يدلّ على وجوبه ، وإنما يعطيك الإباحة خاصة. وقد بينا أنّ إسماعيل بن إسحاق القاضي دخل عليه ذمّى فأكرمه ، فوجد عليه الحاضرون ، فتلا هذه الآية عليهم.
الآية الخامسة ـ قوله تعالى (١) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ، وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
فيها اثنتا عشرة مسألة :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها (٢) :
ثبت أن النبىّ صلى الله عليه وسلم لما صالح أهل الحديبية كان فيه أنّ من جاء (٣) من المشركين إلى المسلمين ردّ إليهم ، ومن ذهب من المسلمين إلى المشركين لم يردّ ، وتمّ العهد على ذلك ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ردّ أبا بصير عتبة بن أسيد بن حارثة الثقفي حين قدم ، وقدم أيضا نساء مسلمات (٤) منهن أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط ، وسبيعة الأسلمية ، وغيرهما ، فجاء الأولياء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، فسألوه ردّهن على الشرط ، واستدعوا منه الوفاء بالعهد ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم : إنما الشرط في الرجال لا في النساء ، وكان ذلك من المعجزات (٥) إلا أن الله عزّوجل قبض ألسنتهم عن أن يقولوا : غدر محمد ، حتى أنزل الله ذلك في النساء ، وذلك إحدى معجزاته.
المسألة الثانية ـ قوله : (فَامْتَحِنُوهُنَ).
اختلف في تفسير الامتحان على قولين :
أحدهما ـ اليمين ـ رواه أبو نصر الأسدى ، عن ابن عباس ، ورواه الحارث بن أبى أسامة ،
__________________
(١) آية ١٠.
(٢) أسباب النزول للواحدي : ٢٤١ ، وللسيوطي : ١٦٨.
(٣) في ش : هاجر.
(٤) في ش : مؤمنات.
(٥) في ش : النساء.
(٦) في القرطبي : ابن الراهب.