وهذا نص في الاقتداء بإبراهيم عليه السلام في فعله ، وهذا يصحّح أنّ شرع من قبلنا شرع لنا فيما أخبر الله أو رسوله عنهم.
الآية الثالثة ـ قوله تعالى (١) : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) ، يعنى في براءتهم من قومهم ، ومباعدتهم لهم ، ومنابذتهم عنهم ، وأنتم (٢) بمحمد أحقّ بهذا الفعل من قوم إبراهيم بإبراهيم إلّا قول إبراهيم لأبيه : (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) فليس فيه أسوة ، لأن الله تعالى قد بيّن حكمه في سورة «براءة».
الآية الرابعة ـ قوله تعالى (٣) : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ في بقاء حكمها أو نسخه : وفيه قولان :
أحدهما ـ أن هذا كان في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال ، ثم نسخ ، قاله ابن زيد.
الثاني ـ أنه باق ، وذلك على وجهين :
أحدهما ـ أنهم خزاعة ومن كان له عهد.
الثاني ـ ما رواه عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنّ أبا بكر الصديق رضى الله عنه طلّق امرأته قتيلة أم أسماء في الجاهلية ، فقدمت عليهم في المدة التي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم هادن فيها كفّار قريش ، وأهدت إلى أسماء بنت أبى بكر قرطا ، فكرهت أن تقبل منها ، حتى أتت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فأنزل الله الآية.
والذي صح في رواية أسماء ما بيّناه من رواية الصحيح فيه من قبل.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) ، أى تعطوهم قسطا من أموالكم [على وجه الصلة] (٤) ، وليس يريد به من العدل ، فإنّ العدل واجب فيمن قاتل وفيمن لم يقاتل.
__________________
(١) آية ٦.
(٢) في ش : وإنهم.
(٣) آية ٨.
(٤) من القرطبي. (١٣ ـ أحكام ـ ٤).