وقد روى أنّ ابن الجارود سيّد ربيعة أخذ درباسا وقد بلغه أنه يخاطب المشركين بعورات المسلمين ، وهمّ بالخروج إليهم ، فصلبه فصاح يا عمراه ـ ثلاث مرات ـ فأرسل عمر إليه ، فلما جاء أخذ الحربة فعلا بها لحيته (١) ، وقال : لبيك يا درباس ـ ثلاث مرات ـ فقال : لا تعجل ، إنه كاتب العدو ، وهمّ بالخروج إليهم ، فقال : قتلته على الهمّ! وأيّنا لا يهمّ.
فلم يره عمر موجبا للقتل ، ولكنه أنفذ اجتهاد ابن الجارود فيه ، لما رأى من خروج حاطب عن هذا الطريق كله. ولعل ابن الجارود (٢) إنما أخذ بالتكرار في هذا ، لأن حاطبا أخذ في أول فعله.
المسألة السابعة ـ فإن كان الجاسوس كافرا فقال الأوزاعى : يكون نقضا لعهده.
وقال أصبغ : الجاسوس الحربىّ يقتل ، والجاسوس المسلم والذمّى يعاقبان إلا أن يتعاهدا (٣) على أهل الإسلام فيقتلان.
وقد روى عن على بن أبى طالب عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه أتى بعين للمشركين اسمه فرات بن حيّان ، فأمر به أن يقتل ، فصاح : يا معشر الأنصار ، أقتل وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله! فأمر به النبىّ صلّى الله عليه وسلم فخلّى سبيله. ثم قال : إن منكم من أكله إلى إيمانه ، منهم فرات بن حيان.
المسألة الثامنة ـ تودد حاطب إلى الكفار ليجلب منفعة لنفسه ، ولم يعقد (٤) ذلك بقلبه.
وقد روى جابر أنّ عبد الحاطب جاء يشكو حاطبا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم. فقال : يا رسول الله ، صلّى الله عليك ، ليدخلنّ حاطب النار. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : كذبت ، لا يدخلها ، فإنه شهد بدرا والحديبية.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (٥) : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ).
__________________
(١) في ش : لحييه.
(٢) في ا : الماجشون إنما أخذ التكرار.
(٣) في ش : يظاهرا.
(٤) في ش : ولم يعتقد.
(٥) من آية ٤.