المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) ، يعنى في الظاهر ، لأن قلب حاطب كان سليما بالتوحيد ، بدليل أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال لهم : أمّا صاحبكم فقد صدق.
وهذا نصّ في سلامة فؤاده وخلوص اعتقاده.
المسألة الرابعة ـ من كثر تطلّعه على عورات المسلمين ، وينبه عليهم ، ويعرف عدوهم بأخبارهم لم يكن بذلك كافرا إذا كان فعله لغرض دنياوي ، واعتقاده على ذلك سليم ، كما فعل حاطب بن أبى بلتعة حين قصد بذلك اتخاذ اليد ولم ينو الردّة عن الدين.
المسألة الخامسة ـ إذا قلنا : إنه لا يكون به كافرا [فاختلف الناس] (١) فهل يقتل به حدّا أم لا؟ فقال مالك ، وابن القاسم ، وأشهب : يجتهد فيه الإمام. وقال عبد الملك : إذا كانت تلك عادته قتل لأنه جاسوس. وقد قال مالك : يقتل الجاسوس ، وهو صحيح لإضراره بالمسلمين وسعيه بالفساد في الأرض.
فإن قيل ـ وهي :
المسألة السادسة ـ هل يقتل كما قال عمر من غير تفصيل ، ولم (٢) يردّ عليه النبي صلّى الله عليه وسلم إلا بأنه من أهل بدر ؛ وهذا يقتضى أن يمنع منه وحده ، ويبقى قتل غيره حكما شرعيا ، فهمّ عمر به بعلم (٣) النبي صلّى الله عليه وسلم ولم يردّ عليه [السلام] (٤) إلا بالعلة التي خصّصها بحاطب.
قلنا : إنما قال عمر : إنه يقتل لعلة أنه منافق ، فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلم أنه ليس بمنافق فإنما يوجب عمر (٥) قتل من نافق ، ونحن لا نتحقق نفاق فاعل مثل هذا ، لاحتمال أن يكون نافق ، واحتمال أن يكون قصد بذلك منفعة نفسه مع بقاء إيمانه. والدليل على صحة ذلك ما روى في القصة أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال له : يا حاطب ؛ أنت كتبت الكتاب؟ قال : نعم ، فأقرّ به ، ولم ينكر وبيّن العذر فلم يكذب ، وصار ذلك كما لو أقرّ رجل بالطلاق ابتداء ، وقال : أردت به كذا وكذا للنية البعيدة الصدق ، ولو قامت عليه البينة وادّعى فيه النية البعيدة لم يقبل.
__________________
(١) ليس في ش.
(٢) في ش : فلم.
(٣) في ش : فعلم.
(٤) ليس في ش.
(٥) في ش : وإنما يوجب قول عمر قتل.