فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ في المراد بها ، فقيل : إنهم اليهود ، وقيل : هم المنافقون ، وهو الأصح لوجهين :
أحدهما ـ أن الآيات مبتدأة بذكرهم ، قال تعالى (١) : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ـ إلى قوله : (الظَّالِمِينَ).
وعد عبد الله بن أبى اليهود بالنّصر ، وضمن لهم أنّ بقاءه ببقائهم وخروجه بخروجهم ، فلم يكن ذلك ولا وفي به ، بل أسلمهم وتبرّأ منهم ، فكان كما قال تعالى (٢) : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ ، فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) ، فغرّ أوّلا ، وكذب آخرا.
الثاني ـ أن اليهود والمنافقين كانت قلوبهم واحدة على معاداة النبي صلّى الله عليه وسلم ، ولم تكن لإحداهما فئة تخالف الأخرى (٣) في ذلك.
والشتى هي المتفرقة ، قال الشاعر :
إلى الله أشكو نيّة شقّت العصا |
|
هي اليوم شتّى وهي بالأمس جمّع (٤) |
المسألة الثانية ـ تعلّق بعض علمائنا من هذه الآية في منع صلاة المفترض خلف المتنفّل حسبما بيناه في مسائل الخلاف ، لأنهم مجمعون على صورة التكبير والأفعال ، وهم مختلفون في النية. وقد ذمّ الله [ذلك] (٥) فيمن فعل ذلك ، فيشمله هذا اللفظ ، ويناله هذا الظاهر.
وهذا كان يكون حسنا ، بيد أنه يقطع به اتفاق الأمة على جواز صلاة المتنفل خلف المفترض ، والصورة (٦) في اختلاف النية واتفاق الفعل والقول فيهما واحد (٧) ، فإذا خرجت هذه الصورة عن عموم الآية تبيّن أنها مخصوصة في الطاعات ، وأنها محمولة على ما كان من اختلاف المنافقين في الإذاية للدّين ومعاداة الرسول صلّى الله عليه وسلم.
__________________
(١) من آية ١١ ـ ١٧
(٢) آية ١٢.
(٣) في ش : ولم تكن إحداهما فيه تخالف الأخرى.
(٤) في ش : جميع.
(٥) ليس في ش.
(٦) في ش : والصلاة في اتفاق ...
(٧) في ش : واحدة.