وقال عمر : لو لا أن أترك آخر الناس ببّانا (١) ما تركت قرية افتتحت إلّا قسمتها ، بين أهلها.
ورأى الشافعىّ القسمة كما قسم النبي صلّى الله عليه وسلم خيبر ، ورأى مالك أقوالا أمثلها أن يجتهد الوالي فيها. وقد بينا ذلك في شرح الحديث ، وأوضحنا أنّ الصحيح قسمة المنقول وإبقاء العقار والأرض سهلا (٢) بين المسلمين أجمعين ، إلّا أن يجتهد الوالي فينفذ أمرا ، فيمضى عمله فيه لاختلاف الناس عليه. وإنّ هذه الآية قاضية بذلك ؛ لأنّ الله تعالى أخبر عن الفيء ، وجعله لثلاث طوائف : المهاجرين ، والأنصار وهم معلومون ، والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ؛ فهي عامة في جميع التابعين والآتين بعدهم إلى يوم الدّين ، ولا وجه لتخصيصها ببعض مقتضياتها.
وفي الصحيح (٣) أن النبي صلّى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة وقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. وددت أنى (٤) رأيت إخواننا. فقالوا : يا رسول الله ؛ ألسنا بإخوانك! فقال : بل أنتم أصحابى ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد ، وأنا فرطهم (٥) على الحوض.
فبين النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنّ إخوانهم كلّ من يأتى بعدهم. وهذا تفسير صحيح ظاهر في المراد لا غبار عليه.
الآية العاشرة ـ قوله تعالى (٦) : (لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ).
__________________
(١) بيانا واحدا : أى شيئا واحدا ، لأنه إذا قسم البلاد المفتوحة على الغانمين بقي من لم يحضر الغنيمة ومن يجيء بعد من المسلمين بغير شيء منها ، فلذلك تركها لتكون بينهم جميعهم. قال أبو عبيد : ولا أحسبه عربيا منها. وقال أبو سعيد الضرير : ليس في كلام العرب بيان. والصحيح عندنا بيانا واحدا. والعرب إذا ذكرت من لا يعرف قالوا : هيان بن بيان. المعنى لأسوين بينهم في العطاء حتى يكونوا شيئا واحدا. قال الأزهرى : ليس كما ظن ، وهذا حديث مشهور (النهاية).
(٢) في القرطبي : شملا.
(٣) صحيح مسلم : ٢١٨.
(٤) في مسلم : أنا قد رأينا.
(٥) أى متقدمهم إليه (النهاية).
(٦) آية ١٤.