والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبّتان (١) من حديد ، فإذا أراد البخيل أن يتصدق لزمت كل حلقة مكانها فيوسعها فلا تتبع. والشحّ منع الذي لم يجد ، بدليل هذه الآية والحديث ؛ فذكر الله أن ذلك من ذهاب الشحّ ؛ وهذا لا يلزم ؛ فإن كل حرف يفسر على معنيين أو معنى يعبر عنه بحرفين يجوز أن يكون كلّ واحد يوضع موضع صاحبه جمعا أو فرقا ، وذلك كثير في اللغة ، ولم يقم هاهنا دليل على الفرق بينهما.
الآية التاسعة ـ قوله تعالى (٢) : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ في تعيين هؤلاء ، وفي ذلك قولان :
أحدهما ـ أنهم أهل الإسلام غير ذين من سائر القبائل والأمم (٣) من الصحابة.
الثاني ـ أنهم التابعون بعد قرن الصحابة إلى يوم القيامة. وهو اختيار جماعة ، منهم مالك بن أنس ـ رواه عنه سوار بن عبد الله وأشهب وغيرهما ؛ قالوا : قال مالك : من سبّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلا حقّ له في الفيء. قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ).
المسألة الثانية ـ في تحقيق القول :
هذه نازلة اختلف الصحابة فيها قديما ، وذلك أن الله تعالى لما افتتح (٤) الفتوح على عمر اجتمع إليه من شهد الوقعة واستحقّ بكتاب الله الغنيمة ، فسألوه القسمة (٥) ، فامتنع عمر منها ، فألحّوا عليه ، حتى دعا عليهم ، فقال : اللهم اكفنيهم. فما حال الحول إلّا وقد ماتوا.
__________________
(١) في ش : جنتان من حديد.
(٢) آية ١٠.
(٣) في ش : والصحابة.
(٤) في ش : فتح
(٥) في ش : الغنيمة.