وفي الصحيح عن أنس : كان الرجل يجعل للنبي صلّى الله عليه وسلم النخلات حتى افتتح قريظة والنّضير ، فكان بعد ذلك يردّ عليهم.
المسألة الخامسة ـ الإيثار بالنفس فوق الإيثار بالمال ، وإن عاد إلى النفس. ومن الأمثال السائرة : والجود بالنفس أقصى غاية الجود. ومن عبارات الصوفية في حدّ المحبة إنها الإيثار (١) ، ألا ترى أن امرأة العزيز لما تناهت في حبّها ليوسف عليه السلام آثرته على نفسها بالتبرئة ، فقالت (٢) : (أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ).
وأفضل الجود بالنفس الجود على حماية رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، ففي الصحيح أنّ أبا طلحة ترّس على النبي صلّى الله عليه وسلم يوم أحد ، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يتطلع فيرى (٣) القوم ، فيقول له أبو طلحة : لا تشرف يا رسول الله ، لا يصيبونك ، نحرى دون نحرك. ووقى بيده رسول الله صلّى الله عليه وسلم فشلّت.
المسألة السادسة ـ الإيثار هو تقديم الغير على النفس في حظوظها الدنياوية رغبة في الحظوظ الدينية ، وذلك ينشأ عن قوّة النفس ، وو كيد المحبة ، والصبر على المشقة ؛ وذلك يختلف باختلاف أحوال المؤثرين ، كما روى في الآثار أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قبل من أبى بكر ماله ومن عمر نصف ماله ، وردّ أبا لبابة وكعبا إلى الثلث ، لقصورهما عن درجتي (٤) أبى بكر وعمر ؛ إذ لا خير له في أن يتصدّق ثم يندم ، فيحبط أجره ندمه.
المسألة السابعة ـ قوله : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) :
اختلف الناس في الشحّ والبخل على قولين :
فمنهم من قال : إنهما بمعنى واحد.
ومنهم من قال : لهما معنيان : فالبخل منع الواجب لقوله عليه السلام : مثل البخيل
__________________
(١) في ا : بالإيثار.
(٢) سورة يوسف ، آية ٨.
(٣) في ا : ليرى.
(٤) في ش : درجة.