ولذلك قال (١) : من عمل عملا لم يكن عليه أمرنا فهو ردّ. وقال في حديث العسيف (٢) الذي افتدى من الجلد بمائة شاة ووليدة : أمّا غنمك فردّ عليك وجلد ابنك مائة وتغريبه عاما(٣).
وترددت هاهنا مسألة عظمى بين العلماء ، وهي ما إذا اجتمع في عقد أمر ونهى وازدحم عليه صحيح وفاسد ، فقال جماعة من العلماء : لا يجوز ، ويفسخ بكل حال. وقال علماؤنا : ذلك يختلف ، أما في البيع فلا يجوز إجماعا ، وأما في النكاح فلا ، واختلفوا فيه على ما بيناه في مسائل الفقه. وأما في الأحباس والهبات فيحتمل كثيرا من الجهالة والأخطار المنهي عنها فيها ، حتى قال أصبغ : إنّ ما لا يجوز إذا دخل في الصلح مع ما يجوز مضى الكلّ. وقال ابن الماجشون : يمضى إن طال. وقال سائر علمائنا : لا يجوز شيء منه ، وهو كالبيع.
وأما إن وقع النهى في البيع فقال كثير من العلماء : يفسخ أبدا. وقال مالك : يفسخ ما لم يفت ، في تفصيل طويل بيانه في أصول الفقه تأصيلا ، وفي فروع مسائل الفقه تفصيلا بنيناه على تعارض الأدلّة في الحظر والإباحة ، والمعنى والرد.
والصحيح عندنا فسخ الفاسد أبدا حيثما وقع ، وكيفما وجد ، فات أو لم يفت ، لقوله عليه السلام (٤) : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ.
المسألة الرابعة ـ قوله : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) وإن جاء بلفظ الإيتاء وهي المناولة فإنّ معناه الأمر ، بدليل قوله : (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فقابله بالنهى ، ولا يقابل النهى إلا الأمر ، والدليل على فهم ذلك ما ثبت في الصحيح ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم (٥) : لعن الله الواشمات ، والمستوشمات ، والمتنمّصات ، والمتفلّجات (٦) للحسن ، المغيّرات لخلق الله. فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد يقال لها أم يعقوب ، فجاءت فقالت : [إنه بلغني] (٧) أنك لعنت كيت وكيت؟ فقال : ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، وهو في كتاب الله! فقالت : لقد قرأت ما بين اللّوحين
__________________
(١ ـ ٤) صحيح مسلم : ١٣٤٤.
(٢) العسيف : الأجير (النهاية).
(٣) في ش : وجلد ابنه وغربه.
(٥) صحيح مسلم : ١٦٧٨.
(٦) الواشمة : الوشم أن يغرز الجلد بإبرة ثم يحشى بكحل أو نيل فيزرق أثره أو يخضر. والمستوشمة : التي يفعل بها ذلك. والنامصة : التي تنتف الشعر من وجهها. والمتنمصة : التي تأمر من يفعل بها ذلك. والمتفلجات : الفلج : فرجة بين الثنايا والمتفلجات : اللاتي يفعلن ذلك بأسنانهن رغبة في التحسين (النهاية).
(٧) ليس في ش.