فما وجدت فيه ما تقول : قال : لئن كنت قرأته لقد وجدته ، أما قرأت : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا). قالت : بلى. قال : فإنه قد نهى عنه ـ وذكر الحديث.
الآية الثامنة ـ قوله تعالى (١) : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
فيها سبع مسائل :
المسألة الأولى ـ قال الخلق بأجمعهم : يريد بذلك الأنصار الذين آووا رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين طرد ، ونصروه حين خذل ، فلا (٢) مثل لهم ولا لأجرهم.
المسألة الثانية ـ قال ابن وهب : سمعت مالكا وهو يذكر فضل المدينة على غيرها من الآفاق ـ فقال : إن المدينة تبوّئت بالإيمان والهجرة ، وإنّ غيرها من القرى افتتحت بالسيف ، ثم قرأ الآية : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ ...) الآية. وقد بيّنا فضل المدينة على كل بقعة في كتاب الإنصاف ، ولا معنى لإعادته ، بيد أن القارئ ربما تعلقت نفسه بنكتة كافية في ذلك مغنية عن التطويل ، فيقال له : إن أردت الوقوف على الحقيقة في ذلك فاتل مناقب مكة إلى آخرها ، فإذا استوفيتها قل : إن النبي صلّى الله عليه وسلم قال في الصحيح : اللهم إنّ إبراهيم حرّم مكة ، وأنا أحرّم المدينة بمثل ما حرم به إبراهيم مكة ، ومثله معه ، فقد جعل حرمة المدينة ضعفى حرمة مكة.
وقال عمر في وصيته : أوصى الخليفة بالمهاجرين والأنصار الأولين أن (٣) يعرف لهم حقّهم. وأوصى الخليفة بالأنصار الذين تبوّءوا الدار والإيمان من قبل أن يهاجر [النبي صلّى الله عليه وسلم أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم] (٤).
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) ، يعنى لا يحسدون المهاجرين على ما خصّوا من مال الفيء وغيره ـ كذا قال الناس.
ويحتمل أن يريد به : ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا إذا كان قليلا ، بل يقنعون به ، ويرضون عنه. وقد كانوا على هذه الحال حين حياة النبي صلّى الله عليه وسلم
__________________
(١) آية ٩.
(٢) في ا : ولا مثل.
(٣) في ا : وأن.
(٤) من ش.