عن مالك ، قال : جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم النّضير يستعينهم في دية ، فقعد في ظل جدار ، فأرادوا أن يلقوا عليه رحى ، فأخبره الله عز وجل بذلك ، فقام وانصرف ، وبذلك استحلّهم وأجلاهم إلى خيبر ، وصفيّة منهم سباها رسول الله صلّى الله عليه وسلم [بخيبر. قال : فرجع إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأجلاهم] (١) على أنّ لهم ما حملت الإبل من أموالهم ، والصّفراء ، والبيضاء ، والحلقة ، والدنان ، ومسك الجمل.
فالصفراء والبيضاء : الذهب والفضة. والحلقة : السلاح. والدنان : الفخّار. ومسك الجمل : جلود يستقى فيها الماء بشعرها.
فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ـ حين رجع إليهم : يا أخا بث خلق الله ، يا إخوة الخنازير والقردة. قال ابن وهب : قال مالك : فقالوا : مه يا أبا القاسم ، فما كنت فحّاشا. وهذا دليل على أن إضمار الخيانة نقض للعهد ، لأنه انعقد قولا [فينتقض قولا] (٢) ، والعقد إذا ارتبط بالقول انتقض بالقول وبالفعل ، وإذا ارتبط بالفعل لم ينتقض إلا بالفعل ، كالنكاح يرتبط بالقول وينحلّ بالقول ، وهو الطلاق ، وبالفعل ، وهو الرضاع. وعتق المديان ينعقد بالقول (٣) ، وينقضه الحاكم إذا لم يكن له مال سواه ، والاستيلاد (٤) لا ينقضه القول ، وقد بينا في سورة الأنفال كيفية نقض العهد.
فإن قيل : فإذا تحقق نقض العهد فلم بعث إليهم اخرجوا من بلادي؟ ولم لم يأخذهم قبل ذلك؟
قلنا : قد قال تعالى (٥) : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ).
فإن قيل : هذا ما خافه ، وإنما تحقق (٦) بخبر الله عنه. قلنا : الخوف هاهنا الوقوع ، وإلا فمجرد الخوف موجود من كل عاقد.
وقد يحتمل أن يكون النبىّ صلّى الله عليه وسلم إنما أرسل إليهم لأنه علم ذلك وحده ، فأراد أن يكون أمرا مشهورا ، وساقه الله إلى ما كتب من الجلاء.
__________________
(١) ليس في ش.
(٢) من ش.
(٣) في ش : بقوله ...
(٤) في ش : والاستيلاء ينقضه.
(٥) سورة الأنفال ، آية ٥٩.
(٦) في ش : تحققه.