صلّى الله عليه وسلم ، وروى [أنه تصدّق] (١) بخاتم ، وهذا كلّه لا يصحّ. وقد سرد المسألة ـ كما يجب ـ أسلم في رواية زيد ابنه عنه.
المسألة الثانية ـ قال : وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم لا يمنع أحدا مناجاته. يريد لا يسأله حاجة إلّا ناجاه بها من شريف أو دنيء ؛ فكان أحدهم يأتيه فيناجيه ، كانت له حاجة أو لم تكن ؛ وكانت الأرض كلها حربا على المدينة ، وكان الشيطان يأتى أصحاب النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهم حوله. فيقول له : أتدرون لم ناجى فلان رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ إنما ناجاه ؛ أنّ جموعا [كثيرة] من بنى فلان وفلان قد خرجوا ليقاتلوكم. قال : فيحزن ذلك المؤمنين ويشقّ عليهم. وقال المنافقون : إنما محمد أذن سماعة يسمع من كلّ أحد يناجيه ؛ فأنزل الله عزّ وجلّ (٢) : (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ). وقال الله في ذلك (٣) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ. إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ، فلم ينتهوا عن المناجاة ؛ فأنزل الله عزّ وجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ، ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ) ؛ لينتهى أهل الباطل عن مناجاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وعرف الله أنّ أهل الباطل لا يقدّمون بين يدي نجواهم صدقة ؛ فانتهى أهل الباطل عن النجوى ، وشقّ ذلك على أصحاب الحوائج والمؤمنين ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، وقالوا : لا نطيقه ، فخفّف الله ذلك عنهم ونسختها (٤) آية (٥) : (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ).
وهذا الخبر من زيد يدلّ على أن الأحكام لا تترتب بحسب المصالح ، فإن الله تعالى قال : (ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ) ، [ثم نسخه مع كونه خيرا وأطهر] (٦). وهذا دليل على المعتزلة عظيم في التزام المصالح ، لكن راوي الحديث عن زيد ابنه عبد الرحمن ـ وقد ضعّفه العلماء. والأمر في قوله : (ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ) نصّ متواتر في الرد على المعتزلة. والله أعلم.
__________________
(١) من ش.
(٢) سورة التوبة ، آية ٦.
(٣) الآية التاسعة والعاشرة من السورة نفسها.
(٤) في ش : ونسخها.
(٥) من آية ١٣ في السورة.
(٦) ليس في ش.