وتحقيق هذا القول أن العزم قول نفسي ، وهذا رجل قال قولا يقتضى التحليل ، وهو النكاح ، وقال قولا يقتضى التحريم وهو الظهار ، ثم عاد لما قال ، وهو قول التحليل ، فلا يصح أن يكون منه ابتداء عقد ، لأن العقد باق ، فلم يبق إلا أنه قول عزم يخالف ما اعتقده ، وقاله في نفسه من الظهار الذي أخبر عنه بقوله : أنت على كظهر أمى.
وإذا كان ذلك كفّر ، وعاد إلى أهله لقوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) ، وهذا تفسير بالغ في فنّه.
فإن قيل : العزم على الفعل عزم على محرّم ، فلا أثر له في موافقة المحرم.
قلنا : هذا لا معنى له (١) ، لأنه إنما يعزم على ما يجوز له بمحلل ، وهو الكفارة.
المسألة التاسعة عشرة ـ ولا يحل له أن يطأ حتى يكفّر ، فإن وطئ قبل الكفارة لم تتعدّد عليه الكفارة.
وقال مجاهد : عليه كفّارتان.
قلنا : أما الكفارة الواحدة فقرآنية سنّية. وأما الثانية فقول بغير دليل. وقد بيناه في كتاب الإنصاف ، على أنّ جماعة رووا ـ منهم النسائي واللفظ له عن ابن عباس ـ أنّ رجلا أتى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ، وهو قد ظاهر من امرأته ، فوقع عليها ، فقال : يا رسول الله ، إنى قد ظاهرت من امرأتى ، فوقعت عليها قبل أن أكفّر. قال : ما حملك على ذلك يرحمك الله! قال : رأيت خلخالها في ضوء القمر. فقال : لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله.
المسألة الموفية عشرين ـ إذا طلقها ثلاثا بعد الظهار ، ثم عادت إليه بنكاح جديد لم يطأ حتى يكفّر ، خلافا للشافعي ، وبناها على ما تقدم في مسألة العود. وقد بيناه ، فلا معنى لإعادته.
المسألة الحادية والعشرون ـ إذا ظاهر موقّتا بزمان. قال مالك : يلزمه مؤبدا. وقال الشافعى : يلغو ، وما أخبر الله عنه في الظهار عموم في المؤقت والمؤبد. وإذا وقع التحريم بالظهار (٢) لم يرفعه مرور الزمان ، وإنما ترفعه الكفارة التي جعلها الله رافعة له. وقد وافقنا على أنه لو طلّق زمانا مؤقتا لزمه الطلاق عاما ، ولا انفصال له عنه.
__________________
(١) في ا : هذا مالا معنى له.
(٢) في ش : بظهار.