دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ نفى الله سبحانه المساواة بين من أنفق من قبل فتح مكة وبين من أنفق بعد ذلك ، لأنّ حاجة الناس كانت قبل الفتح أكثر ، لضعف الإسلام ، وفعل ذلك كان على المنافقين أشقّ ، والأجر على قدر النصب (١). والله أعلم.
المسألة الثانية ـ روى أشهب عن مالك قال : ينبغي أن يقدم أهل الفضل والعزم. وقد قال الله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) ، وقد بينا نحن فيما تقدّم ترتيب أحوال الصحابة رضى الله عنهم ومنازلهم في التقدم والتأخر ومراتب التابعين.
المسألة الثالثة ـ إذا ثبت انتفاء المساواة بين الخلق وقع التفضيل بين الناس بالحكمة والحكم ؛ فإن التقدّم والتأخر يكون [في الدين ويكون] (٢) في أحكام الدنيا ، فأما في أحكام الدين ففي الصحيح عن عائشة قالت رضى الله عنها : أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم ، وأعظم المنازل مرتبة الصلاة. وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم [في مرضه] (٣) : مروا أبا بكر فليصلّ بالناس. فقيل له : إن أبا بكر رجل أسيف (٤) إذا قام مقامك لم يسمع النّاس من البكاء ، فمر عمر فليصلّ بالناس. [فقال : مروا أبا بكر فليصلّ بالناس] (٥) .. الحديث.
فقدّم المقدم ، وراعي الأفضل.
وفي حديث أبى مسعود الأنصارى من رواية الترمذي وغيره : يؤمّ القوم (٦) أقرؤهم لكتاب الله ؛ فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنّا ، ولا يؤمّ الرجل في سلطانه ، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه.
__________________
(١) النصب : المشقة والتعب.
(٢) ليس في ش.
(٣) أسيف : سريع البكاء والحزن ، أو رقيق (النهاية).
(٤) في ش : الناس.