وفي الصحيح أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث [وأخيه] (١) فأذّنا وأقيما وليؤمّكما أكبركما. ففهم منه البخاري وغيره من العلماء أنه أراد كبر المنزلة.
كما قال صلّى الله عليه وسلم : الولاء للكبر. ولم يعن كبر السنّ ، وإنما أراد كبر المنزلة.
وقد قال مالك وغيره : وإن للسنّ حقا. وراعاه الشافعى وأبو حنيفة ، وهو أحقّ بالمراعاة ؛ لأنه إذا اجتمع العلم والسنّ في خيّرين قدّم العلم. وأما أحكام الدنيا فهي مرتّبة على أحكام الدين ، فمن قدّم في الدين قدّم في الدنيا.
وفي الآثار : ليس منّا من لم يوقّر كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعترف لعالمنا.
وفي الحديث الثابت في الأفراد : ما أكرم شابّ شيخا لسنّه إلا قيّض الله له عند سنّه من يكرمه. وأنشدنى أبو عبد الله محمد بن قاسم العثماني الشهيد نزيل القدس لابن عبد الصمد السر قسطي :
يا عائبا للشيوخ من أشر |
|
داخله للصبا (٢) ومن بذخ |
اذكر إذا شئت أن تعيبهم (٣) |
|
جدّك واذكر أباك يا ابن أخى |
واعلم بأنّ الشباب منسلخ |
|
عنك وما وزره بمنسلخ |
من لا يعزّ الشيوخ لابلغت |
|
يوما به سنّة إلى الشّيخ |
الآية الثالثة ـ قوله تعالى (٤) : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ في المراد بقوله تعالى : (وَالشُّهَداءُ).
وفيه ثلاثة أقوال :
أحدها ـ أنهم النبيون.
الثاني ـ أنهم المؤمنون.
__________________
(١) ليس في ش.
(٢) في القرطبي : في الصبا.
(٣) في القرطبي : تعيرهم.
(٤) آية ١٩.