فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ روى الترمذي وغيره أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة فقال : إنّ الله قد أذهب عنكم عبيّة (١) الجاهلية وتعاظمها ، فالناس رجلان برّ تقى كريم على الله ، وفاجر شقىّ هيّن على الله ، والناس بنو آدم ، وخلق الله آدم من تراب. قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ). والحديث ضعيف.
المسألة الثانية ـ بيّن الله تعالى في هذه الآية أنه ـ سبحانه ـ خلق الخلق من ذكر وأنثى (٢) ، ولو شاء لخلقه دونهما كخلقه لآدم ، أو دون ذكر كخلقه لعيسى ، أو دون أنثى كخلقه لحوّاء من إحدى الجهتين. وهذا الجائز في القدرة لم يرد به الوجود.
وقد جاء أنّ آدم خلق الله منه حوّاء من ضلع انتزعها من أضلاعه ، فلعله هذا القسم ، وقد بينا فيما تقدم كيفية الخلق من ماء الذكر وماء الأنثى بما يغنى عن إعادته.
المسألة الثالثة ـ خلق الله الخلق بين الذكر والأنثى أنسابا وأصهارا وقبائل وشعوبا ، وخلق لهم منها التعارف ، وجعل لهم بها التواصل ، للحكمة التي قدرها ، وهو أعلم بها ، فصار كلّ أحد يجوز نسبه ، فإذا نفاه عنه [أحد] (٣) استوجب الحدّ بقذفه له ، مثل أن ينفيه عن رهطه وجنسه ، كقوله للعربي : يا عجميّ ، وللعجمى : يا عربي ، ونحو ذلك مما يقع به النفي حقيقة ، وقد استوفيناه في كتب المسائل.
المسألة الرابعة ـ قوله : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ).
قد بينّا الكرم ، وأوضحنا حقيقته في غير موضع من صحيح الحديث.
وفي صحيحه عن النبي صلّى الله عليه وسلم : الحسب المال ، والكرم التقوى ، وذلك يرجع إلى قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ).
وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم : الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم.
__________________
(١) عبية الجاهلية : الكبر ، وتضم عينها وتكسر (النهاية).
(٢) في ش : من الذكر والأنثى.
(٣) من ش.