قلنا : ولا سمعنا أنهم كان لهم حكم ، وإنما كانوا (١) فتنة مجردة ، حتى انجلت مع الباغي لسكت (٢) عنهم لئلا يعضد باعتراضه من خرجوا عليه. والله أعلم.
الآية الخامسة ـ قوله تعالى (٣) : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ النبز هو اللّقب ، فقوله : لا تنابزوا بالألقاب ، أى لا تداعوا بالألقاب. واللقب هنا اسم مكروه عند السامع.
وكذلك يروى أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم قدم المدينة ، ولكلّ رجل اسمان وثلاثة ، فكان يدعى باسم منها فيغضب ، فنزلت : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) ، وهي :
المسألة الثانية ـ في سبب نزولها (٤).
المسألة الثالثة ـ قوله : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ).
يعنى أنك إذا ذكرت صاحبك بما يكره فقد آذيته ، وإذاية المسلم فسوق ، وذلك لا يجوز. وقد روى أنّ أبا ذرّ كان عند النبي صلّى الله عليه وسلم فنازعه رجل ، فقال له أبو ذرّ : يا ابن اليهودية. فقال النبي الله عليه وسلم : ما ترى من هاهنا من أحمر وأسود ، ما أنت بأفضل منه ، يعنى إلا بالتقوى ، ونزلت : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ).
المسألة الرابعة ـ وقع من ذلك مستثنى من غلب عليه الاستعمال ، كالأعرج والأحدب ، ولم يكن له فيه كسب يجد في نفسه منه عليه ، فجوّزته الأمّة ، فاتفق (٥) على قوله أهل الملة (٦). وقد ورد ـ لعمر الله ـ من ذلك في كتبهم مالا أرضاه ، كقولهم في صالح جزرة ، لأنه صحف زجرة (٧) فلقّب بها ، وكذلك قولهم في محمد بن سليمان الحضرمي مطيّن ، لأنه وقع في طين ، ونحو ذلك مما غلب على المتأخرين.
ولا أراه سائغا في الدين ، وقد كان موسى بن علىّ بن رباح المصرى يقول : لا أجعل أحدا
__________________
(١) في ش : كانت.
(٢) في ش : سكت.
(٣) من آية ١١.
(٤) أسباب النزول للواحدي : ٢٢٤ ، والسيوطي ١٥٨.
(٥) في ش : واتفق.
(٦) في ش : اللغة.
(٧) في القرطبي : خرزة.