ومنها أنه تذكر وعد جدّه الصادق عند كلّ أحد صلّى الله عليه وسلم في قوله : إن ابني هذا سيّد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، وإنه لما سار الحسن إلى معاوية بالكتاب في أربعين ألفا وقدم إليه قيس بن سعد بعشرة آلاف قال عمرو بن العاص لمعاوية : إنى أرى كتيبة لا تولّى أولاها حتى تدبر أخراها. فقال معاوية لعمرو : من لي بذراري المسلمين! فقال : [أنا. فقال :] (١) عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة : تلقاه فتقول له الصلح. فصالحه ، فنفذ (٢) الوعد الصادق في قوله : إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به فئتين عظيمتين من المسلمين. وبقوله : الخلافة ثلاثون سنة ، ثم تعود ملكا ، فكانت لأبى بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلى ، وللحسن [منها] (٣) ثمانية أشهر لا تزيد [يوما] (٤) ولا تنقص يوما ، فسبحان المحيط لا ربّ غيره.
المسألة السابعة ـ قوله (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ).
وهذا صحيح ، فإن العدل قوام الدّين والدنيا ، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان. وقال صلّى الله عليه وسلم : إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين. وهم الذين يعدلون بين الناس في أنفسهم وأهليهم وما ولوا. ومن العدل في صلحهم ألّا يطالبوا بما جرى بينهم من دم ولا مال ، فإنه تلف على تأويل. وفي طلبهم له تنفير لهم عن الصلح واستشراء في البغي.
وهذا أصل في المصلحة ، وقد قال لسان الأمة : إنّ حكمة الله في قتال الصحابة التعرّف منهم لأحكام قتال أهل التأويل ، إذ كانت أحكام قتال التنزيل (٥) قد عرفت على لسان الرسول صلّى الله عليه وسلم وفعله.
المسألة الثامنة ـ قوله : (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى).
بناء (ب غ ى) في لسان العرب الطلب ، قال الله تعالى (٦) : (ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) ، ووقع التعبير به هاهنا عمن يبغى ما لا ينبغي على عادة اللغة في تخصيصه ببعض متعلقاته،
__________________
(١) من ش.
(٢) في ش : ونفذ.
(٣) ليس في ش.
(٤) من ش.
(٥) في القرطبي : قتال أهل الشرك.
(٦) سورة الكهف ، آية ٦٥.