القوم على دنيا ، ولا بغيا بينهم في العقائد ، وإنما كان اختلافا في اجتهاد ، فلذلك كان جميعهم في الجنة.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ).
أمر الله بالقتال ، وهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن البعض الباقين ، ولذلك تخلّف قوم من الصحابة رضى الله عنهم عن هذه المقامات ، كسعد بن أبى وقاص ، وعبد الله ابن عمر ، ومحمد بن مسلمة. وصوّب ذلك علىّ بن أبى طالب لهم ، واعتذر إليه كلّ واحد منهم بعذر قبله منه.
ويروى (١) أنّ معاوية لما أفضى إليه الأمر عاتب سعدا على ما فعل ، وقال له : لم تكن ممن أصلح بين الفئتين حين اقتتلا ، ولا ممن قاتل الفئة الباغية ، فقال له سعد : ندمت على تركي قتال الفئة الباغية. فتبيّن أنه ليس على الكل درك فيما فعل ، وإنما كان تصرّفا بحكم الاجتهاد وإعمالا بما اقتضاه الشرع ، وقد بينا في المقسط كلام كلّ واحد ومتعلقه فيما ذهب إليه.
المسألة السادسة ـ إنّ الله سبحانه أمر بالصلح قبل القتال ، وعيّن القتال عند البغي ، فعمل علىّ بمقتضى حاله ، فإنه قاتل الباغية التي أرادت الاستبداد على الإمام ، ونقض ما رأى من الاجتهاد والتحيّز عن دار النبوة ومقرّ الخلافة بفئة تطلب ما ليس لها طلبه إلا بشرطه ، من حضور مجلس الحكم والقيام بالحجة على الخصم ، ولو فعلوا ذلك ولم يقد علىّ منهم ما احتاجوا إلى مجاذبة ، فإن الكافة كانت تخلعه ، والله قد حفظه من ذلك ، وصانه. وعمل الحسن رضى الله عنه بمقتضى حاله ، فإنه صالح حين استشرى الأمر عليه ، وكان ذلك بأسباب سماوية ، ومقادير أزلية (٢) ، ومواعيد من الصادق صادقة ، منها ما رأى من تشتّت آراء من معه ، ومنها أنه طعن حين خرج إلى معاوية فسقط عن فرسه وداوى جرحه حتى برأ ، فعلم أن عنده من ينافق عليه ولا يأمنه على نفسه.
ومنها أنه رأى الخوارج أحاطوا بأطرافه ، وعلم أنه إن اشتغل بحرب معاوية استولى الخوارج على البلاد ، وإن اشتغل بالخوارج استولى عليه معاوية.
__________________
(١) في ش : وروى.
(٢) في ش : أولية.