على حبّة مال كيف يصبح أن يؤتمن على قنطار دين ، وهذا إنما كان أصله أنّ الولاة [الذين كانوا يصلّون بالناس] (١) لما فسدت أديانهم ، ولم يمكن ترك الصلاة وراءهم ، ولا استطيعت إزالتهم صلّى معهم ووراءهم ، كما قال عثمان : الصلاة أحسن ما يفعل الناس فإذا أحسنوا فأحسن معهم ، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم ، ثم كان من الناس من إذا صلى معهم تقيّة أعادوا الصلاة لله. ومنهم من كان يجعلها صلاته. وبوجوب الإعادة أقول ، فلا ينبغي لأحد أن يترك الصلاة خلف من لا يرضى من الأئمة ، ولكن يعيد سرا في نفسه ، ولا يؤثر ذلك عند غيره.
المسألة الرابعة ـ وأما أحكامه إن كان [حاكما] (٢) واليا فينفذ منها ما وافق الحق ويردّ ما خالفه ، ولا ينقض حكمه الذي أمضاه بحال ، ولا تلتفوا إلى غير هذا القول من رواية تؤثر ، أو قول يحكى ، فإن الكلام كثير ، والحق ظاهر.
المسألة الخامسة ـ لا خلاف في أنه يصحّ أن يكون رسولا عن غيره في قول يبلغه ، أو شيء يوصله ، أو إذن يعلمه ، إذا لم يخرج عن حق المرسل والمبلغ ، فإن تعلّق به حقّ لغيرهما لم يقبل (٣) قوله. فهذا جائز للضرورة الداعية إليه ، فإنه لو لم يتصرف بين الخلق في هذه المعاني إلا العدول لم يحصل منهم شيء لعدمهم في ذلك. والله أعلم.
الآية الرابعة ـ قوله تعالى (٤) : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
فيها أثنتا عشرة مسألة :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها (٥) :
وفي ذلك أربعة أقوال :
الأول ـ روى عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير أن الأوس والخزرج كان بينهم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم قتال بالسعف والنعال ونحوه ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
__________________
(١) ليس في ش.
(٢) من شيء.
(٣) في ش : ينفذ.
(٤) آية ٤.
(٥) أسباب النزول للواحدي : ٢٢٣ ، وللسيوطي : ١٥٧.