موته في الرّفعة مثل كلامه المسموع من لفظه ، فإذا قرئ كلامه وجب على كلّ حاضر ألا يرفع صوته عليه ، ولا يعرض عنه ، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفّظه به ، وقد نبّه الله تعالى على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى (١) : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا). وكلام النبي صلّى الله عليه وسلم من الوحى وله من الحرمة مثل ما للقرآن إلى معاني مستثناة ، بيانها في كتب الفقه ، والله أعلم.
الآية الثالثة ـ قوله تعالى (٢) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ).
فيها خمس مسائل :
المسألة الأولى في سبب نزولها (٣) :
روى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة مصدّقا إلى بنى المصطلق ، فلما أبصروه أقبلوا نحوه ، فهابهم ورجع إلى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ، فأخبره أنهم ارتدّوا عن الإسلام. فبعث خالد بن الوليد ، وأمره أن يتثبّت ولا يعجل ، فانطلق خالد حتى أتاهم ليلا ، فبعث عيونه ، فلما جاءوا (٤) أخبروا خالدا أنهم متمسكون بالإسلام ، وسمعوا أذانهم وصلاتهم ، فلما أتاهم خالد ، ورأى صحة ما ذكروه عاد إلى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأخبره ، ونزلت هذه الآية. ففي رواية أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان يقول : العجلة من الشيطان والتأنّى من الله.
المسألة الثانية ـ من ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعا ، لأن الخبر أمانة ، والفسق قرينة تبطلها ، فأما في الإنسان (٥) على نفسه فلا يبطل إجماعا. وأما في الإنسان (٦) على غيره فإن الشافعى قال : لا يكون وليا في النكاح. وقال أبو حنيفة ومالك : يكون وليّا ، لأنه يلي مالها فيلي بضعها ، كالعدل ، وهو وإن كان فاسقا في دينه إلا أن غيرته موفرة (٧) ، وبها يحمى الحريم ، وقد يبذل المال ويصون الحرمة ، فإذا ولي المال فالبضع أولى.
المسألة الثالثة ـ ومن العجب أن يجوّز الشافعى ونظراؤه إمامة الفاسق ومن لا يؤتمن
__________________
(١) سورة الأعراف ، آية ٢٠٤.
(٢) آية ٦.
(٣) أسباب النزول للواحدي : ٢٢٢ ، وللسيوطي ١٥٧.
(٤) في ا ، والقرطبي : جاء.
(٥) في ا : الإنشاء.
(٦) في ش : متوفرة.